من أين أتي هؤلاء
يمارسون سلطاتهم بشيء من التشفي…. وكأنما بيننا وبينهم ثأر قديم!.. ويعمدون لفرض سيطرتهم أينما كانوا، مستغلين السانحة الذهبية التي أتت بهم من القاع إلى السطح فجأة من حيث لا يعلمون.
منشغلون بتحقيق أكبر وأسرع المكاسب المادية تحديداً بشراهة ونهم كبيرين… ويبدو ذلك النهم جلياً في معظم سلوكهم وتصرفاتهم، فتجد عيونهم زائغة، وأنفاسهم متهدجة، ولا يتقنون حتى حرفة الكلام!
إنهم أولئك الغالبية العظمى الخارجة من رحم الحاجة والضنك بتقاليد ومفاهيم ساذجة وبسيطة، فإذا بها تجد كل أمنياتها بين يديها.. وكأنهم جماعة أنهكهم المسير والرهق والجوع والعطش.. وإذا بهم أمام الأطايب… فلا يلبثوا أن ينكبوا عليها بشراهة مفرطة ومقززة تنسيهم كل قواعد (الإتيكيت) التي ربما لم يعرفوها يوما!
إنها – والحق يقال- علة النظام الحاكم الحقيقية… والتي عطلت مشواره الحضاري رغم نبل مخططاته ومحتواه.
لقد ساهم في تفريخ مثل هذه النماذج…. ثلة من المرتزقة لا أصل لهم ولا خلفية علمية أو اجتماعية أو ثقافية وجدوا أنفسهم أصحاب مناصب ونفوذ وألقاب سيادية ودستورية بسبب التسويات ومساعي الوفاق وغيرها…. فأصبح في الغالب هناك دائماً رجل غير مناسب في مكان غير مناسب.. إذ أن معايير الاختيار ما عادت تخضع للإمكانيات ولا للمعرفة والتميز والقدرة على احتمال المسؤولية.
لقد كانت الأولوية للولاء… ثم لم يعد لها شروط سوى الترضيات… وربما لم يعد لها شروط على الإطلاق… فالجميع يصلحون كيفما اتفق لكل المهام حتى تلك التي لم يسمعوا عنها يوماً!
الآن.. يحدث في السودان… أن تجد نفسك مرغماً على إبداء الاحترام الظاهري لأحدهم دون أن تراه يستحق!.. ويسكنك شعور بالحنق تجاه جهله وضعفه وفشله الإداري وحتى (بشتنته)، ولكنك مرغم على الصمت ديدن الحكماء.
والغريب في الأمر أن المرء دائماً يعلم قدر نفسه جيداً وإن لم يعلمه الآخرون!.. فإذا كان البعض يدرك حجم قدراته، ويعلم مدى دونيته وعدم إلمامه، لماذا يمعن في إقحام نفسه في تلك المواقف (البااااايخة) – على طريقة عادل إمام في مدرسة المشاغبين – هل يستمتع بالاحتقار والحرج ولعنات الناس؟ ثم لماذا حالما اكتشف إخفاقه التام لا يبادر بحفظ ماء وجهه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ويبارح مقعد منصبه الوثير بكامل كرامته؟!
ترى.. هل تحقق تلك المناصب الكثير من المكاسب؟… لا أعتقد…. فكلنا يعلم معدلات المستحقات…. ولكن ربما هذه مكاسب أخرى بوسائل غير واضحة تندرج تحت بند الفساد الذي لم يعد البعض يستحون من ممارسته علناً إذ ليس ثمة رادع ولا واعز ولا ضمير!
فمن أين يا ترى أتى هؤلاء؟ – على طريقة الرائع الطيب صالح- ثم أعوذ بالله على طريقة الزميل عثمان شبونة… والحمد لله.
تلويح:
اللهم ولّ علينا أصحاب الضمائر اليقظة… والعين المليانة..
فـ (الما بتشوفو في بيت أبوك بيخلعك) على طريقة (حبوبتي)!