منصور الصويم

رسائل إلى زينب 6


عدت من جديد للقراءة بفضل رسائل العاشق إلى زينب، اليوم نهارا عرجت أيضا إلى مفروش بالبوستة أم درمان واشتريت كتابين، الأول “طوق الحمامة” لابن حزم الأندلسي، وهو كتاب في العشق والصبابة، والثاني ” قصة حب مجوسية”، رواية لعبد الرحمن منيف لفتني عنوانها. في البيت وضعت الكتابين جانبا إلى حين التفرغ لهما، وأخرجت رزمة رسائل العاشق إلى زينبه لأبدأ قراءة الرسالة السادسة:
“هل تحولت إلى مجرد حلم رقمي، أطارده ولا أناله يا زينب؟ تبخرت من بين يدي بينما أنازع كوابيس صحوي ومنامي محاولا تأكيد حقيقة وجودك في ذلك الجانب الآخر من القلب، تضخين في شرايينه دماء العشق وتنثرين في غرفه ورود الحنين. هل بت ندما بلا وصال، آلما لا يحدوه أمل؟
أمضي في سبيل الحياة يا زينب، كالمنوم تقودني الدروب والمسافات، تتعلق بشطآن أفقي الممرضة آلاء، لون زينب، الخضراء ذات الحنان. أتزوجها أو تتزوجني، يضمنا ذلك البيت المتسع الذي تتسكع في نواصيه أطيافك الشاردة. تظللني بالحب وتسندني به آلاء. تكافح ما يتراءى لها من صورك الشبحية التي تسبح في المدى القصير بيني وبينها، تقنص وتكمن لرؤى ذكراك حتى تجتثها من بطن الذاكرة، بملقاط الصبر تمكث كل ليل عند رأسي لتنقي أحلامي من ترددات اسمك، ولتقصي عن لساني صوت مناداتك، ولتبعد عن شفتي سعادات اللقاء واكتماله الوهمي المرسوم على سطور الأحلام ورؤيا المنام.. بالصبر لازمتني، بالصبر ألقمتني حبها، وبالصبر كانت تداوي جرحها بعد كل اندمال يليه انفتاق.. وكنت أنت هناك جاثمة ورابضة وباقية أبدا.
هل الهزيمة جرح النفس وانسحاب الحياة وتسيد الكآبة؟ من نالته الهزيمة في تلك الحياة المشدودة ما بين أرض الملموس وحلم البعيد المنسرب غير المحسوس؟ هل هزمت آلاء في معركتها أمام جيوش عشقك الهادرة؟ أم هل هزمت أنا في معركة الوفاء والانتماء؟ هكذا فجأة أعلنت الانسحاب، انكسرت روحها وشحب لونها الزينبي يا زينب، غادرت مستسلمة بعد أن رفعت راية الحب البيضاء. ذهبت آلاء إلى غير رجعة يا زينب وتركتني وحيدا في البيت الكبير، أحادث أطيافك المحلقة، أهلوس بك في الليالي الطوال، وانضغط رقميا عل أيقوناتي اليائسة تلقاك في بحر الأسافير المائج بالأسرار”.
أحسست بتعاطف كبير مع آلاء المنهزمة، ولأول مرة أشعر بالغيظ من هذا الرجل ومن حبه وتردده ومن زينبه هذه، ماذا فعلت لهما البنت الخضراء – لون زينب حتى ترمى هكذا؟