احلام مستغانمي

عشاء في الجناح !

كما تمنّت عليه، قرّر في اليوم التالي العشاء في الجناح.
كانت ليلة صيفيّة حالمة. أمر أن تُمدّ الطاولة في الشرفة المطلّة على منظر أخّاذ، حدائق بهندسات جميلة، مُبالَغ في الاعتناء بتصاميمها، وبتشكيلة ورودها، تتوسّطها نوافير يصل خريرها إلى مسامعهما.
ارتدتْ ثوبًا للسهرة يليق بجمال الجلسة، وبأناقة بذلته التي كانت توحي أنهما ذاهبان لحفل ما.
استعادت عافيتها وهي ترى ذلك المنظر المفتوح على شساعة السماء. أخيرًا، نجت من سطوة الفخامة المهيبة، وما أيقظت فيها من أسى لا تعرف له سببًا. فكّرت أنّ الطبيعة مهما كانت باهرة وخرافيّة، لا تشعرك بالنقص، ولا تلحق بك تشوّهات نفسيّة. أنت لا تصغر وأنت تتأمّل شلّالات نياغرا الشاهقة، برغم ضخامتها، لأنّك في الأصل كائن مائي، إنك ابن ذاك الشلّال. ولا تصاب بعقدة نقص وأنت عند سفوح الهملايا، برغم كونها أعلى قمّة في العالم، فأنت ابن تلك الجبال، لأنك من تراب.
ثمّ تثري وتبني لك قصرًا، في ضخامة كاتدرائيّة تناطح السماء، وإذا بك تصغر كلّما وقفتَ أمامه. إنّها خدعة الأحجام. لقد خُلقت المساجد والكاتدرائيّات لتقزّم الإنسان، لأنّها بُنيت على قياس عظمة الله لا على قياسك، فهي بيوته.
لكن الإنسان يواصل بناء الأبراج معتقدًا كلما قزّمته، أنه يزداد بطولها عظمة، وأنه يُنسب إليها لا إلى التراب. ويبالغ في تزيين جدران قصوره بالذهب، وإذا بمعدنه يصدأ بينما يلمع كلّ شيء من حوله. من أين له هذا الغرور، والحجارة التي رفع بها أبراجه من خلق الله؟ ليتواضع قليلًا، ما دام عاجزًا عن خلق أصغر زهرة برّية تنبت عند أقدام قصره. فبمعجزتها، عليه أن يقيس حجمه.
لم تقل له شيئًا ممّا يجول بذهنها، ربّما اعتقد كما عند الصباح، أنّها تتفلسف، بينما هي تتحدّث عن الشيء الوحيد الذي تعرفه حقًّا:
الطبيعة.
[من رواية : “الأسود يليق بك”]