بين النهب المصلَّح والتحصيل الإلكتروني!
سعدت كثيرًا بالوضوح والصراحة التي خاطب بها النائب الأول لرئيس الجمهورية بكري حسن صالح الصحافة والتي بلغت درجة الاعتراف النبيل بالفساد الذي كان ينخر كالسوس في كثير من مؤسسات الدولة بسبب التعامل السيئ مع أورنيك 15 الورقي فما من إصلاح وعلاج لأي خلل يحدث بدون إقرار بوجود العلة وتشخيص مسبق يحدد الأسباب التي فقدت الدولة جراء الصبر المتطاول عليها مبالغ طائلة لا عدّ لها ولا حصر.
تعابير مختلفة عن ضروب الفساد الذي استشرى وتمدد بسبب سوء استغلال ذلك الأورنيك الورقي المغلوب على أمره خرجت من أفواه قيادات الدولة .. النائب الأول الفريق أول بكري حسن صالح: (التحصيل الإلكتروني حاصر الفساد وأوقف العضة).. وأرجو قرائي الكرام أن تتمعنوا في كلمة (العضة) بكل ما تحمله من دلالات ساخرة من ذلك الغول الذي ظل ينهش في جسد البلاد والمتمثل في الفساد.
نائب رئيس البرلمان د. بدرية سليمان: (نعرف ولايات تتحصل رسوماً بـ (الشوالات) ولا توردها لخزينة الدولة)!
أما وزير المالية بدر الدين محمود صاحب المسؤولية المباشرة عن مكافحة الفساد فقد أرغى وأزبد وأرعد وأبرق فقال :(الدولة العميقة تقاوم تطبيق التحصيل الإلكتروني بشراسة ويشارك في ذلك بعض منسوبي وزارة المالية)، ثم كشف الرجل جزءاً من الفساد والفوضى الضاربة الأطناب فقال: (ما كنا نتخيل أن هناك 40 نوعاً من الإيصالات والأرانيك يتم من خلالها التحصيل ويقوم عليها 17000 متحصل مجهولون للدولة مع وجود كثير من الوظائف الوهمية) ثم طفق بدر الدين يكشف عما يجري في الولايات والمحليات التي لا تورد إلا القليل من الأموال المتحصلة فكم من موتى يحصلون على أموال ومخصصات وكم من أطفال وأسماء لأناس لم يطلوا على دنيانا هذه يأتيهم رزقهم المجاني رغداً من حيث لا يشعرون وكم منهم يملأون أضابير الفصل الأول المتخم بمبالغ تذهب هباء منثوراً في دولة تتضور جوعاً لكل قرش تحتاج إليه خزانتها الخاوية.
ما كشفت عنه الدولة ممثلة في مسؤوليها قليل من كثير كله ينتظر الحكومة الإلكترونية بكل مكوناتها وليس فقط جزئية التحصيل الإلكتروني التي لا أظن أحدًا في الدولة الآن لم يقتنع بالأهمية القصوى لوضعها بأعجل ما تيسر موضع التنفيذ سيما بعد فضيحة تذيل السودان لدى منظمة الشفافية الدولية مع أربع دول أخرى قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم.
أكثر ما ملأني اطمئناناً إصرار الدولة على المضي قدماً في المشروع وعدم التراجع عنه مهما ضج المتضررون من النظام الجديد من عصابات النهب المصلح ومدمني (العضة) وجأروا بالشكوى وأعلم علم اليقين أن معوقات كثيرة تعترض إنفاذ التحصيل الإلكتروني مما يحتاج إلى صبر ودأب وعزم وإصرار إلى أن يستقيم النظام الجديد على الجادة وتنتهي المصاعب والمعوقات التي تعترضه ذلك أن أي تراجع يمثل انهزاماً سيكون تأثيره مدمراً وعلى الحكومة أن تولي أمر المعالجة للمعوقات اهتماماً كبيرًا من خلال تشكيل لجنة عليا ذات خبرة ودراية تطلق يدها في سبيل معالجة المشكلات المركزية أينما وجدت تتبعها غرف عمليات في كل من الولايات تعمل على مدار الساعة وذلك للتصدي للمشكلات وإطفاء الحرائق التي تنتج عن الجهل بالنظام الجديد أولاً بأول .
رداءة خدمات الاتصالات تشكل عقبة يجب أن يتم التصدي لها من قبل الهيئة القومية للاتصالات فوالله انه لمما يحزن المرء ان تشهد خدمات الاتصالات تراجعًا كبيراً مقارنة بسنوات خلت بالرغم من الوعود المبشرة بالجيل الرابع ولا بد للهيئة من أن تقيد وتلزم الشركات ببرنامج زمني وبموازنات تبذل في سبيل تطوير وتحسين الخدمات فهذا من اولى أولويات الجهاز التنظيمي .
تحتاج البلاد الى ثورة أخرى على مستوى الحكم الفيدرالي في الولايات والمحليات وكم كنت أتوق الى أن يشغل د. عمار حامد سليمان منصباً وزاريًا في ولاية الخرطوم ليعمل على تعميم تجربة محلية شرق النيل التي عمل فيها معتمدًا وأنجز مشروعاً للتحصيل الالكتروني بل حكومة إلكترونية فاز بها ليس على مستوى محليات السودان إنما حصل مشروعه على تقدير عالمي وشهدت بذلك وزيرة الاتصالات د. تهاني عبد الله وخبراء الاتصالات لكن للأسف فقد انتقل الرجل الى إحدى الولايات نائباً للوالي ولا أقول ذلك بخساً للوﻻيات الأخرى إنما نظراً لأهمية العاصمة القومية بمواردها الكبيرة ومكانتها.
إن الولايات والمحليات خاصة البعيدة من المركز تحتاج إلى انفاذ هذا المشروع ربما بأكثر مما تحتاج الحكومة المركزية وأحسب ان تسريع مشروع الحكومة الالكترونية مع الخطوات الاخرى التي أعلنت عنها الرئاسة والمتمثلة في مفوضية الفساد وإطلاق يد المراجع العام وتصريحات بروف ابراهيم أحمد عمر رئيس البرلمان عن دور كبير سيقوم به البرلمان للتصدي للفساد.. كل ذلك من شأنه أن يحدث انقلاباً في التعامل مع ذلك الشيطان الذي أهدر كثيراً من موارد البلاد وأصبح مهددًا للأمن القومي.
عجائب وغرائب .. متهم بالفساد يتحدث عن النهب المصلح .. هذا الرجل يملك شركة للنشر والطباعة استجلبت ماكينات قيمتها 5 مليون دولار .. يملك عمارتين ومزرعة وفيلا فى كافورى .. قبل الأنقاذ كان معدم ومديون ويعمل فنى اتصالات ( تصليح وتركيب تلفونات ) فى الأمارات براتب لا يتجاوز 4 الف درهم .. سؤال للملا الطيب مصطفى صاحب البنبر الحر هل كان بأمكانه امتلاكها لولا قرابته بالمشير ..
التحصيل الالكتروني سيفشل وسيكون الهدر اكثر من النهب وستصبح الدولة كالمستجير من الرمضاء بالنار