الهندي عز الدين

حكاية الشركة (الروسية) وكليات العلوم (الحضرية) !!

1
أكدت رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان د.”حياة الماحي” أن الشركة (الروسية) التي وقعت وزارة المعادن عقداً معها للتنقيب عن الذهب بولايتي نهر النيل والبحر الأحمر شركة حقيقية، وأن الحكومة الروسية تملك (66%) من أسهمها وأن “سيبيريا” ليس اسمها في روسيا، بل هو اسم العمل الخاص بالسجل التجاري بالسودان .
ليس هذا المهم في كلام رئيس اللجنة، فلم يخطر ببالي ولا بال أي عاقل وحصيف أن تكون الشركة (وهمية)، فلابد ابتداءً أن يكون الوزير وقبله المدير قد اطمأن تماماً لحقيقة وجود الشركة سواء في روسيا، أو في السودان باستخدام أجهزة ومعدات وخبراء (روس) قبل أن يدعو السيد رئيس الجمهورية ليشهدوا حفل التوقيع بالقصر الرئاسي .
الأهم أن الشركة ستبدأ الإنتاج بعد سنتين، وتحديداً في أكتوبر عام2017، حسبما أكدت السيدة “حياة” طبقاً للوثائق التي بحوزتها !! و(عيش يا حمار .. لمن تقوم النجيلة) !!
لقد كبرنا وهللنا لدخول الشركة الروسية بشريكها (السوداني الخفي) – يعني شيخ “الأمين” كان عندو حق لما ظهر في الصور مع الشركة الفرنسية وأكد إنو شريك بكل شفافية وقفل باب السؤال عن الشريك السوداني – لقد هللنا للشركة الروسية لأننا كنا نظن بالتصريحات الواثقة والطموحة عن حجم الاستكشاف المهول الذي يبلغ (46) ألف طن أن الإنتاج سيبدأ في غضون (6) أشهر في أسوأ الأحوال، تأسياً بأشقائنا المصريين الذين حفروا بآليات وخبرات (مصرية) قناة بحرية ثانية وأنجزوا الطرق المسفلتة المؤدية إليها فضلاً عن الاستراحات الراقية والحدائق الغناء جوار البحر المالح خلال عام (واحد) !! نحنا جنب النيل ما عارفين نعمل حدائق .. شوفوا منظر الشجر والنجيل المحروق من أمام “هيلتون” لحدي برج الاتصالات واتحسروا !!
المصريون حفروا وافتتحوا قناة السويس الثانية، وشركة (الديار القطرية) ومقاولها الفلسطيني ما زالوا لأكثر من (5) سنوات عاجزين عن إكمال بناء (5) عمارات عادية جداً .. دعك من الفندق أبو (5) نجوم و(المول) والمنشآت السياحية التي كانت مصممة في الخطة ضمن مشروع (مشيرب) أسفل كبري “المك نمر” جهة “حلة حمد” بالخرطوم بحري !!
المشروعات عندنا كلها سلحفائية وكسولة .. حتى الاستثمارات الأجنبية .. فالأجنبي إذا لم يجد جهة وطنية تساعده ثم تراقبه وتحاسبه للالتزام بالمواقيت وفق الخطة، سيتكاسل و(يكلفت الشغل) ويمنح العطاءات لشركات محلية (أي كلام) في أعمال الإنشاءات والعزل المائي .. وقد ثبت ذلك بالفعل من خلال تحقيق صحفي حول المشروع أجريناه إبان رئاستنا لتحرير صحيفة (الأهرام اليوم).
2
ظللت أردد كثيراً أننا في السودان بحاجة ماسة وعاجلة إلى ربط برامج وكليات التعليم العالي بمتطلبات التنمية والخدمات وبالتالي سوق العمل، ولكن يبدو أنه لا توجد متابعة ولا تخطيط إستراتيجي ولا يحزنون .. (كل واحد أجر ليهو عمارة أو عمارتين وصدق جامعة، وأعلن عن فتح باب القبول لكليات نظرية تخرج كل عام آلاف العطالى في تخصصات لا مجال فيها لوظائف أو لأعداد هائلة من الخريجين، والمهم إنو المستثمر صاحب الجامعة يحقق فوائد مليارية سهلة والخاسر الأكبر هو البلد) .
أمس طالعت إعلانا لجامعة (الزعيم الأزهري) تطلب فيه الإدارة أساتذة للتدريس بكلية (العلوم الحضرية). وعشان أفهم شنو بتخرجوا طلاب العلوم الحضرية وبشتغلوا شنو .. دخلت موقع الكلية ووجدت أنها تأسست عام 1999، وأن مقرها كان في ضاحية “أبو حليمة” ببحري ثم انتقلت غرباً إلى الثورة بأم درمان بمبنى إحدى المدارس، ثم استقرت أخيراً في ودنوباوي !!
الجامعة تخرج متخصصين في التخطيط الحضري، مع أنها – هي ذاتا – لم تنشأ عملاً بالتخطيط الحضري والدليل حركة انتقالها من “أبو حليمة” إلى “ودنوباوي” واحتمال المرة الجاية يودوها “أبو حمامة” وللا “الكلاكلة القبة” للمزيد من نشر ثقافة التخطيط الحضري !!
ومن قبل كانت وما زالت جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا تفتح باب التقديم لتخصيص هندسة النفط للطالبات (عدا الاستكشاف) مع أنهن لا يجدن وظيفة من بعد التخرج .. وقد كانت إدارة جامعة الخرطوم واقعية وعملية عندما حددت القبول لهندسة النفط (عموماً) للأولاد فقط، وهذا يعكس بعد نظر إدارة الجامعة وعميق فهمها .
في ألمانيا .. دهشت عندما علمت أن الدولة مهتمة أكثر ببرامج الدبلومات التقنية والصناعية والحرفية في مختلف التخصصات، وأن حكاية كليات العلوم الحضرية والآداب والاقتصاد وتخصصات المحاسبة وإدارة الأعمال وعلم النفس وغيرها لا تجد رواجاً مثل التخصصات العملية التي تجعلك فور التخرج صاحب مهنة وحرفة. ولهذا أسعدني إعلان آخر في صحيفة أخرى صادر عن جامعة (أم درمان الإسلامية) وهي الجامعة التي بدأ تاريخها بعلوم إسلامية ونظرية، وفيه دعوة للتقديم لدبلومات تطبيقية ونظرية مثل هندسة الكهرباء وميكانيكا السيارات .
لابد من تدخل وزارة التعليم العالي في توجيه مسار إنشاء الكليات الجديدة غض النظر عن رغبة إدارة الجامعة وقرارات مجالسها، وتقويم وتقييم عمل البرامج القديمة ومدى ارتباطها بحاجة البلد وسوق العمل لتلك التخصصات.