أضرار تسببها لنا أماكن العمل
تشعر بالانشغال الشديد لدرجة أنك تبحث عن الخصوصية في مقر عملك فلا تكاد تجدها؟ لست وحدك من يعيش هذا الواقع الذي يشاركك فيه الملايين من الموظفين في مكاتبهم حول العالم.
أظهرت دراسات عديدة أن التصميم الداخلي لمكان العمل يمكن أن يكون له تأثير كبير على إنتاجية العاملين وراحتهم.
تقول ليندا سلويك، أستاذة علم النفس في جامعة ديترويت ميرسي في ميشيغان: “البيئة المحيطة بأجواء العمل تؤثر بشكل كبير على سلوك العاملين. الذي يتعين على المؤسسات القيام به هو توفير مكان للعاملين يشعرون فيه بأنهم يقومون بعملهم على خير وجه”.
وتفيد دراسة نشرتها شركة “ثري إم” للتكنولوجيا عام 2013 بأن العاملين يصبحون أقل إنتاجية بنسبة 50 في المئة عندما يشعرون أن آخرين يسترقون النظر إلى ما يقومون به من عمل على أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف الخاصة بهم.
وتوصلت دراسة مسحية قامت بها شركة “غينسلر” العالمية للفن المعماري إلى أن أكثر من نصف العاملين في المكاتب المفتوحة لا يستطيعون التركيز بسبب زملائهم.
الانفتاح الزائد
اعمل باجتهاد ونشاط إن كنت تحظى بمكتب في زاوية صغيرة منعزلة. لكن إذا رغبت في الحصول على هذا الموقع فعليك أن تكون مديراً تنفيذياً في شركتك. فإن لم تكن كذلك، فعليك أن تعمل في مكتب مفتوح إلى وقت غير معلوم.
هذه الأماكن المفتوحة في مكاتب العمل عادة ما تكون سهلة ورخيصة التصميم والإنشاء، وتمكن الشركات من استيعاب أكبر عدد ممكن من الموظفين في أقل مساحة ممكنة.
يقول ميغ أونيل، مسؤول التصميم في شركة “ستيل-كيس” لتصميم المكاتب: “الشكوى الأبرز تتمثل دائما في تذمر الموظفين من عدم تمتعهم بالخصوصية في مكان عملهم.”
ويقول كريغ نايت، أستاذ علم النفس في جامعة اكستر البريطانية إن مفهوم المكاتب المفتوحة قد يكون ملائماً للتعاون والتواصل، إلا أنه لا يناسب الجميع، ويضيف: “لا يوجد خطأ جوهري في المكاتب المفتوحة، لكن بعض الشركات تحاول أن تحشر كل الموظفين على اختلاف مهماتهم في مكان مفتوح واحد”.
الأكثر إثارة للقلق، هو أن بعض الدراسات تفيد بأن نظام المكاتب المفتوحة ضار بالصحة. فقد وجدت دراسة كندية نشرت عام 2014 أن الموظفين الذين يعملون في مكاتب مفتوحة طلبوا إجازات مرضية بزيادة بلغت نسبتها 70 في المئة عن زملائهم الذين يعملون من البيت.
دراسات أخرى توصلت إلى أن الضجيج الناتج من المكاتب المفتوحة يؤثر على قدرة الإنسان على التذكر. كما توصلت تلك الدراسات إلى أن الخصوصية تزيد من إنتاجية الموظفين. لكن نايت يقول إن بعض الشركات تكون إنتاجيتها أفضل في المكاتب المفتوحة.
ويضيف: “إذا كنت ترغب في هذا الخيار، حاول أن تحسن من وضع المكاتب في مكان العمل بحيث يكون هناك فراغ حول المكتب يمكنك السير فيه”.
بعض الموظفين يتحايلون على عدم توفر الخصوصية بإيجاد فضاءات خاصة للتغلب على الضجيج، ويمكن أن يكون ذلك عبارة عن غرفة مخصصة لإجراء مكالمات هاتفية مع العائلة، أو بقعة معينة يوجد بها مكتب يستعمله الموظفون للقيام ببعض العمل في جو من الهدوء.
بعض الشركات توفر لموظفيها غرفاً لأخذ سنة من النوم، ولو لعدة دقائق. العاملون في متجر “جوبيلي مول” في لندن بإمكانهم الجلوس على فرشة ملونة للراحة تستخدم أضواء لتعديل مزاج الموظف، وتوضع فوق كرسي مريح.
أونيل الذي درس كيفية تأثير الفضاءات المختلفة على راحة الإنسان يقول إن هذه الفراغات تساعد الناس على الشعور بالتركيز والحيوية.
ويضيف: “الخصوصية لا تعني أن عليك أن تعزل نفسك لتقوم بالعمل طوال اليوم. فأخذ فترة من الراحة من شأنها أن تجدد نشاطك”.
ما يريده الموظف هو الأساس في تصميم مكان العمل. فبإمكان الشركات إنشاء مكاتب على أحدث طرز، لكن إذا لم يكن للموظفين دور في تصميم هذه المكاتب فلن يجدي ذلك نفعاً.
الغرفة التي يأخذ فيها الموظفون سنة من النوم مثال جيد، وتشكل هذه الأيام توجهاً جديداً، لكن فائدتها تتوقف على استعمال الموظفين لها.
ويقول نايت: “إذا كانت مجرد وسيلة للتحايل، فلن تجدي نفعاً. ويمكن أن يكون هناك أماكن أخرى لأخذ قسط من الراحة أفضل بكثير لراحة الموظفين”.
ليس للموظفين دور في تحديد ما إذا كان مكان عملهم عبارة عن مكان مفتوح أو لا، لكن هناك أشياء بإمكانهم القيام بها لتحسين مكان العمل. تزيين المكان على سبيل المثال، يعطي بقية زملاء العمل فكرة عن شخصيتك ويمكن أن يضفي عليهم شعوراً إيجابياً أيضاً.
الصور ونباتات الزينة تساهم في جعل المكان- وكذلك المكتب- مشرقاً. هذه الأمور تجعل أمام عينيك أشياء أخرى تراها غير شاشة الكمبيوتر. تقول سلويك: “عليك أن تختار الزينة التي لا يرفضها أصحاب العمل”.
أماكن العمل البسيطة والمجردة مثلها مثل أماكن العمل الصارخة في محتوياتها، فهي تقتل الإبداع، كما يقول البروفيسور نايت، مشيرا إلى دراسة أظهرت أن الموظفين كانوا أكثر إنتاجية بنسبة 38 في المئة عند إضافة بعض النباتات البيتية إلى مكان عملهم.
كما أن الطبيعة الخضراء يمكنها تحسين حياة الموظفين بنسبة 47 في المئة، وتحسين إبداعهم بنسبة 45 في المئة، كما يقول.
ليس بالضرورة بسبب النباتات ذاتها، ولكن لأنها تضفي على المكتب شعوراً بالحيوية. هناك أشياء أخرى يمكنها أن تؤدي نفس الغرض مثل وضع آلة غيتار في زاوية المكتب.
الإضاءة
تعكف الشركات منذ سنوات طويلة على استخدام الإضاءة الطبيعية، حيث تثبت الأبحاث أنها تزيد من الإنتاجية. فعندما نقلت شركة “لوكهيد مارتن” العالمية لصناعات الدفاع والفضاء عددا من موظفيها عام 1983 إلى مكاتب مضاءة بضوء النهار الطبيعي، لاحظت أنخفاض الغياب بنسبة 15في المئة.
لهذا السبب تقوم الشركات بخفض الجدران التي تفصل بين الحجرات، حيث كانت في السابق ترتفع إلى ستة أقدام، بينما أصبحت الآن قريبة من 42 بوصة، مما يسمح بدخول إضاءة طبيعية أكثر، كما تقول هايدي باينشود، إن استطعت أن تضع مكتبك قريباً من الشباك فلا تتردد في ذلك. تقول باينشود: “عليك تجنب الجلوس في غرفة لا يدخلها الضوء الطبيعي. ذلك يصيبك بالملل وقلة النشاط. أنت تحتاج إلى أن تكون قادراً على أن تنظر للخارج وتحافظ على معرفة ما يدور من حولك”.
المكتب والسلطة
المساحة المخصصة لتعمل فيها لها أثر على الكيفية التي يشعر بها الآخرون تجاهك، وكيف يرون أنفسهم.
المديرون الذين يضعون مكاتبهم قبالة موظفيهم وجهاً لوجه، يضفون على أنفسهم قوة وسلطة. أما المكتب الذي يواجه الجدار ويحتاج معه الموظف أن يجلس إلى جانب المدير من شأنه أن يزيل الكلفة بين الاثنين.
تقول سلويك: “عليك أن تفكر في الطريقة التي تريد أن ينظر بها الآخرون إليك، واختر مكاناً يعكس ذلك. إذا كان مكتبك حاجزاً فإنه يدفع الناس إلى أخذ فكرة خاطئة عنك”.
موقع الجزء المحدد الذي تعمل فيه أو المكتب يمكن أن يؤثر على فكرة السلطة أو الصلاحيات. تقول سلويك: “في الثقافة الغربية، يوحي وجود المكتب إلى جانب الشباك بأن صاحب المكتب يتمتع بنفوذ أكبر. كلما كان المكتب بعيداً عن الشباك، قل الإحساس بتمتعك بالنفوذ والسلطة.
حتى لو كانت الإطلالة على منظر قبيح، فإنها أفضل من عدم وجود إطلالة خارجية على الإطلاق.
وتضيف سلويك: “لكن المكتب الذي يعطي انطباعاً بهيبة السلطة هو المكتب الذي يسبقه موظف استقبال في مكتب مجاور، حيث يتعين على الزوار المرور عليه قبل الوصول إليك”.
اخبار 24