“كلب وزرقاء” المبالغ المالية بلغة الراندوك.. نقطة تلاقٍ وإثارة إعجاب”اجدع الكلب دا”
تشاجر أحد الركاب مع سائق (ركشة) عندما رد صاحب المركبة على سؤال صديقه (على وين؟) حينها كانت الإجابة التي لم يفهما الراكب “اجدع الكلب دا”” الذي قصد به السائق مسافة المشوار الذي تأتي تكلفته مبلغ جنيه المسمى بلغة الراندوك (الكلب).
هذه اللغة التي لم تعد حصرية على الفئة التي ابتكرتها، بل انتشر تداولها في مجتمعنا السوداني انتشار النار في الهشيم، فضلاً عن اختلافها وتنوعها بين شتى المجالات، حيث أصبح لكل مجموعة لغة تعبر عنها وعن المهنة التي تنتمي إليها، لكن يظل المال نقطة التلاقي بين الفئات والمهن المختلفة، مما جعل من لغته لغة مشتركة بين كل هذه التنوعات، إذن ما هي تلك المسميات وما الغرض منها؟ وهل هي حصرية على فئة محددة؟
خالف تذكر
لا يعرف أشرف محمد عثمان (موظف مبيعات) من أسماء المبالغ سوى البقرة، وذلك حسب قوله لعدم تداولها في مجال العمل الذي يعتمد على نظام الشيكات. وقال إن هذه الألفاظ سوقية غير حميدة يلجأ إليها البعض لإثارة الإعجاب وحفيظة من لا يجيد استخدامها، فضلاً عن تميزه عن الآخرين واتباعاً لمقولة خالف تذكر. وتابع: من أراد التميز فليبحث عنه فيما يفيد، وليس فيما يشين.
أساليب خاطئة
أفصح نصر الدين حسن (سائق) عن عدد من المسميات التي أطلقت على بعض المبالغ المالية، كالكلب الذي يطلق على الجنيه والبقرة لمبلغ (الخمسين جنيهاً) والطرادة على (مائتين وخمسين جنيهاً)، والزرقاء على (خمسة جنيهات) والحمراء على (العشرين جنيهاً)، متجاوزه ما تبقى من المبالغ، إلى المليون الذي دمغ باسم الأرنب، لافتاً إلى أنها (أسماء شوارع) تفشت بين فئة معينة في الشوارع خاصة الشباب، لكنها تعدت واخترقت كل الطبقات والمستويات في المجتمع. وقال نصر الدين وابتسامة التأسف ترتسم على شفتيه “حتى البنات لم يسلمن من ذلك”. وتابع: لفظة كلب لم أعلم بها من قبل إلا عندما جاءت إحدى الفتيات وطلبت أخذها في مشوار، فسألت عن المبلغ فتوجهت مباشرة بسؤال آخر عندك كم؟ فكانت الإجابة خمسة كلاب، فتعجبت من ذلك، ولم أفهم ما تعني، حينها باغتتني بالمعنى المقصود، وأضاف: هذه مسميات وأساليب خاطئة دخيلة على مجتمعنا، ولا تتناسب وإيانا، لذا يجب محاربتها بداية من الأسرة، رغم أن أحساسي يشتم رائحة تفشيها أكثر عند الأجيال القادمة، إذ يمثل شباب اليوم قادة المستقبل.
لا أصل ولا مرجع
أشار العم إبراهيم آدم (مواطن) إلى كثافة المصطلحات غير المألوفة التي انتشرت أخيراً. وأضاف: تمثل ظاهرة تسمية المبالغ المالية جزءاً كبيراً منها، لافتاً إلى كثافة تداولها بين الشباب، الذين يهدفون منها تغييب المعني عن من لا يفهما، أي كما تسمى (الألغاز)، رغم أن للألغاز معنى ترجع إليه. وأردف: لا أعتقد أن يكون لهذه اللغه أصل أو مرجع سوى الشماسة. وإن دلت فإنما تدل على عدم المصداقية. وقال: في زمننا لم نسمع بمثل هذه الألفاظ المبتكرة التي لا نعرف لها منشأ إلا الشارع ولا مدلول إلاً الإيهام، وصرف عقول الآخرين عن المقصود.
تهور لا تطور
في السياق، قالت سيدة عبدالحميد (ربة أسرة) إنها لم تسمع بغير الأرنب التي يعنى بها المليون. وتساءلت في ذات الوقت هل توجد عبارات أخرى؟ فقد أبدت تأسفها على جيل يعد المستقبل الواعد للبلاد. وأشارت: إلى أن التعامل بمثل هذه الأساليب خطأ يجب العزوف عنه، غير أنها عبارات لا معنى ولا مغذى لها غير لفت الانتباه إلى غير المعهود، بجانب إظهار أنهم تفتيحة، ويستطيعون من خلالها استغلال من لا يفهم ذلك. وأرجعت انتشارها إلى أن الكل يريد أن يدرك ما يقال حوله باعتقاد أنها تقود إلى اللحاق بركب التطور. ووصفت سيدة شباب اليوم بالمتهور الذي لا يعرف للتطور سبيل، حيث أبدت خلال حديثها القلق على الأجيال القادمة.
إشعار بالحماية
من ناحيتها، أشارت دكتورة ثريا إبراهيم الاختصاصية الاجتماعية إلى أن التعامل بهذه المسميات تحول إلى المجتمع بعد أن كان حصرياً على فئة الأطفال المشردين باعتبار أنها لغة لها خصوصيتها في التواصل فيما بينهم، وتمثل جزءاً أصيلاً من ثقافتهم وهويتهم، غير أنها تشعرهم بالحماية والأمان، بجانب الحفاظ على سلامتهم من الآخرين لما تحمل من سرية في إشاراتها وتعابيرها المختلفة، حتى صارت لغة التواصل بين الفئات المختلفة خاصة في مجال التداول بالمبالغ المالية. وأرجعت: غزوها للمجتمع لاحتكاك الشباب خاصة المراهقين الذين يميلون إلى كل ما هو شاذ للفت الأنظار، فضلاً عن إثبات الوجود بهؤلاء الأطفال الذين يتواجدون بفترات طويلة في الطرقات، حيث ساهم تقارب الأعمار في سرعة انتقالها من الشارع إلى البيت عن طريق تداولها بين الإخوة إلى أن وصلت تدريجياً إلى الأسرة بأكملها بمن فيهم الأم والأب. ولفتت دكتورة ثريا إلى أنها تتجدد بين الحين والآخر بتجدد الأوضاع.
اليوم التالي
خيال واسع
لا يوجد مشوار ركشة بجنيه منذ اكثر من اربعة سنين