منصور الصويم

الوجوه أيقونة الفقر والمحنة


يحكى أنّ الدكتور منصور خالد، المفكر والسياسي المعروف، أورد ملاحظة مهمة قبل سنوات إبان عودته إلى السودان (2005) بعد غياب امتد لسنوات طويلة دفعها في سبيل اختياراته المبدئية ورؤيته لـ(سودان) آخر خلاف الذي كنا نحيا فيه. المهم أن ملاحظة الدكتور منصور خالد، كانت حول الشخصية السودانية، التدهور الذي ضرب مظهر هذه الشخصية السودانية، التفكك الذي بدا له فاعلا في مكونها (الخارجي)، واللامبالاة التي رأى أنها أبدلت الكثير من سلوكيات هذه الشخصية التي تركها في حال من التماسك وعاد ليجدها في حال أقرب إلى الذهول واليأس وربما الدوران في دوامات من اللامعنى.
قال الراوي: توصيفات الدكتور منصور خالد التي جاءت من الخارج (حينها)، مضت عليها سنوات، والغريب أن السودانيين في تلك السنوات كانوا يظنون أنهم في حال (طيب) أو أنهم بدأوا يستعيدون عافيتهم ورونقهم، ومن الواضح أنهم لم يكونوا يحدقون جيدا إلى وجوههم داخل المرآة؛ سنوات مضت، وكثير من المياه (العكرة) عبرت تحت الجسر، تدهورت الأوضاع أكثر، تبددت الأحلام، ضاعت الأمنيات، وصار الهم المعيشي اليومي (الراجم) هو المحرك للشخصية السودانية في (توجهاتها) على كافة الصعد الحياتية، وتبدلت الوجوه أكثر وكسيت (غما) على عظم ووهنا على شيب وكأن (شوف) الدكتور ينعكس الآن فقط في مرآة الزمن.
قال الراوي: الوجوه مفاتيح، والوجوه دروب وسكك تقودك إلى مداخل الناس وتساعدك في فك مغاليق هذه الدواخل، والوجوه فوق ذلك مركز الثقل العاطفي (موقع البكاء، والضحك، والألم، وصفحة الانكسار التي لا يمكن إخفاؤها).. وبالتأمل (حولك) فقط سترى أو سترين، تكونات المحنة وانكسارات الفقر وهي ترتسم الآن بـ(شفافية) على كل الوجوه؛ تأمل – تأملي: الأعين بهالات أرقها المحيطة واحتقانات الوجع التي تسبح في مائها.. في الوجوه بجلدها المتغضن الآن وألمها الذي يقاوم تتحقق (أيقونة) المحنة التي عصفت وتعصف بـ(الشخصية السودانية) في زمن التبدل والتراجع المريع، بينما (لا أحد يكاتب الكولونيل)!
ختم الراوي؛ قال: قال منصور خالد (وقتها) إنه لاحظ أن الشخصية السودانية أصبحت غير مهتمة بصحة (أسنانها) – مثلا، وقال إنه انتبه إلى أن درجة (الأناقة) التي كان يعرفها لدى السوداني أصبحت (مافي عديل)، وأن الناس تمضي (مكرفسة) القمصان والوجوه.. ما الذي يمكن أن يضيفه الدكتور ودرجة كل (الأشياء) قد صارت صفرية؟
استدرك الراوي؛ قال: تأمل وجهك في المرآة، أو وجه جارك في الحافلة.. تأمل وجه (الحياة) وهي تذبل.