منصور الصويم

شاحنات الموت


قدمت الشعوب الأوروبية وبعض قادة دولها، درسا عظيما لزعماء ورؤساء وملوك البلاد العربية، فأوروبا تمور شعبيا هذه الأيام تضامنا مع حق الحياة للاجئين السوريين وغيرهم ممن يخاطرون بعبور البحار والمحيطات حتى يصلوا إلى بر آمن يقيهم شر حكوماتهم ويوفر لهم سبل عيش تحترم إنسانيتهم بعد أن تم إهدارها في مواطنهم الأصلية، هذا بعكس كل البلاد العربية التي أغلقت حدودها في وجوه اللاجئين السوريين – السودان حالة خاصة – ولم تقدم لهذا الشعب المنكوب سوى المزيد من الوقود لإذكاء نيران الحرب المدمرة بين نظامين وهميين يشيعان الخراب في منطقة الشرق الأوسط بأكملها وبتركيز رهيب على بلاد العرب ذات الإرث الحضاري الممتد في عمق التاريخ (ليبيا – اليمن – العراق وسوريا الجريحة).
شاحنة الموت التي أثارت موجة من السخط والغضب الأيام الماضية، والتي اكتشفت بالنمسا، ووجد بداخلها ما يزيد عن سبعين جثة متحللة أكثرها لمهاجرين سوريين، يحاولون العبور إلى أوروبا؛ هذه الشاحنة هي التي فجرت كل هذه المواقف الإنسانية التي تقدمها الشعوب الأوروبية تضامنا مع الآخر – أيا كان – ودعما له في أن يحيا الحياة الكريمة التي يفترض أن تتوافر لكل إنسان على هذه الأرض.. عشرات المظاهرات التضامنية خرجت في النمسا وألمانيا وغيرها تطالب بالسماح لهؤلاء المهاجرين واللاجئين بالعبور الآمن، كما خرج الآلاف في هذه البلاد لاستقبال أفواج من اللاجئين ممن كتب لهم النجاة والوصول حتى البر الآمن في أوربا البعيدة.
ربما، تتسبب هذه الحروب الدموية والعبثية الدائرة في أفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط، مضافا إليها التخريب الاقتصادي المتعمد الممارس من الأنظمة الحاكمة في بلدان هذه المناطق؛ ربما تؤدي إلى أكبر تشويه ديموغرافي يحدث في التاريخ الحديث، فموجات الهجرة المستمرة والتي لن تتوقف ستخلف – لابد – حالة من النضوب البشري في هذه البلاد، نضوب سيؤدي بدوره إلى إفقار تنموي يتلاقح مع حالة التفكك والتدهور الاقتصادي والاجتماعي التي يعاني منها أصلا هذا الجزء من العالم.
بينما يجتمع قادة أوروبا لمناقشة إشكالات الهجرة وقضايا المهاجرين ومحاولة إيجاد حلول لها، يزداد الواقع شراسة في البلدان التي أتى منها المهاجرون، ويمضي قادة هذه الدول في إشعال نيران الحروب الطائفية والدينية والوهمية مع نهب وتخريب ثروات بلدانهم؛ معادلة تنتج المزيد والمزيد من الفارين والمهاجرين والمغامرين.
لن تتوقف شاحنات الموت عن نقل الموتى.