معركة جنيف
في مثل هذه الأيام من كل عام يخوض السودان معركة بلا سلاح في قصر الأمم بجنيف لمقاومة قرارات إدانة تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان في السودان، وتكتنز بلادنا ذخيرة معرفية وخبرة طويلة في مقاومة الضغوط وإجهاض مشروعات الإدانة ومعارك البنود ما بين البند العاشر والبند الرابع.. وثمة فوارق كبيرة بين هذا البند وذاك.. وكلما حل شهر سبتمبر حزمت الوفود حقائبها واتجهت إلى جنيف لمقاومة مشروعات القرارات التي يتم إعدادها والمساومة حولها.. وقبل الخوض في تفاصيل ما يجري في جنيف الآن، هل ثمة ضرورة لسفر وفود تمثل الحكومة ومنظمات المجتمع المدني؟ وهل تنفق الدولة أموالاً طائلة على سفر تلك الوفود؟؟ نعم يخوض ممثلو وزارتي العدل والخارجية كواجهات رسمية معارك ضارية في ساحات قصر الأمم وخارجه، وتبذل جهود حثيثة وتعقد لقاءات غير رسمية ومفاوضات غير معلنة غالباً ما تنتهي بالتفاهم والتوافق على القرارات التي تصدر من بعد ذلك، ويسهر في سبيل الوصول لقرارات توافقية الدبلوماسيون وقيادات وزارة العدل لأيام وليالٍ، إضافة إلى بعثة السودان الرسمية في جنيف، وتتم الاستعانة في مثل هذه الأيام بخبراء من خيرة الدبلوماسيين منهم السفير “دفع الله الحاج” والسفير “عمر حمزة” والسفير “عبد المحمود عبد الحليم”، كل ذلك لدرء مخاطر القرارات التعسفية بحق السودان.
وللمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان جهود كبيرة، وكذلك الأجهزة الأخرى مثل جهاز الأمن والمخابرات الذي أنشأ قسماً خاصاً بحقوق الإنسان، وتقدم المنظمات غير الحكومية المنضوية تحت سقف المجموعة الوطنية جهدها من خلال الندوات التي تعقد في جنيف واللقاءات الثنائية مع منظمات طوعية نظيرة لها.. وأصبح لمركز دراسات المجتمع (مدا) وجود في جنيف بفضل خبرته في المجال الطوعي والإنساني.. فهل تنفق الدولة أموالاً طائلة على هذه البعثات كما يدعي البعض ويثورون؟ وهل الجهد الذي يبذل في درء مخاطر ما يصدر عن مجلس حقوق الإنسان يوازي ما تصرفه الدولة من أموال على البعثات التي تحج سنوياً إلى جنيف كما يقول البعض؟!
سويسرا من المعلوم أنها من أغلى بلدان العالم، وحكومة السودان من أفقر الحكومات وأكثرها شحاً في الإنفاق على البعثات الخارجية، وخلال مشاركتي في أعمال لجنة حقوق الإنسان في السنوات الثلاث الماضية أستطيع القول إن الوفود التي تشارك في أعال دورة حقوق الإنسان لا تحظى بأي امتيازات تذكر، وتضطر السفارة في جنيف للصرف أحياناً على الوفود في عهد السفير “عبد الرحمن ضرار” بالمشاركة اليومية بوجبات الإفطار والغداء التي هي عبارة عن (قراصة وفول سوداني)، ويقيم بعض أعضاء الوفود والمنظمات المشاركة في دولة فرنسا القريبة من جنيف لتقليل الصرف، ويعود أعضاء الوفود بلا هدايا، أو متبقي نثريات يعينهم على مصاعب الحياة.. وكثيراً ما يتهرب بعض الناس من السفر إلى جنيف لتلك الأسباب، ويصرف بعض الميسورين من مالهم الخاص.. وحينما كان وزير الخارجية الحالي بروفيسور “إبراهيم غندور” رئيساً لاتحاد العمال، وعضواً دائماً في الوفود التي تشارك في أعمال دورة حقوق الإنسان، كان يساهم في دعم الوفود بما تيسر من مال.. وأي حديث عن إهدار موارد الدولة في جنيف هو حديث يجافي الواقع والمنطق، وعدد من الزملاء الصحافيين شاركوا في أعمال مجلس حقوق الإنسان ويدركون تلك الحقيقة.
لكن الآن تبدو معركة البنود ما بين العاشر والرابع شرسة جداً بسبب مواقف الولايات المتحدة من السودان وتعثر الحوار المشترك، إضافة إلى فشل التفاوض في حل قضايا المنطقتين، رغم التقدم والتحسن النسبي لأوضاع حقوق الإنسان في الداخل إن لم تحدث في الأيام القادمة فاجعة تثير الرأي العام الخارجي.. وفي مثل هذه الأيام من كل عام تنبت أزمة “بنطال” أو جلد فتاة أو امرأة تزامناً مع دورات مجلس حقوق الإنسان.
بالله ما تخجل على دمك لتقول (( وتكتنز بلادنا ذخيرة معرفية وخبرة طويلة في مقاومة الضغوط وإجهاض مشروعات الإدانة ومعارك البنود ما بين البند العاشر والبند الرابع )) ؟؟؟
ماذا حدث للتحقيق حول قتلى سبتمبر المدنيين غير المسلحين و الذين تم قتلهم بدم بارد أمام أعين أهلهم ؟؟ دعك من المئات او الالاف من المدنيين نمن اطفال و نساء و شيوخ ماتوا بالحرق و القصف في دارفور منذ 2003 ؟؟
الا تخاف يوم تقف أمام الله الواحد القهار و تشهد عليك يدك التي كتبت هذا الكذب و النفاق ؟؟