عماد حياتنا
* الإنصاف أمر عسير.. فلا يمكن لأحدنا أن يحقق العدالة الكاملة أو الحياد المطلق بسهولة, فالإنسان بطبعه ميال لعاطفته ومنحاز لخبرته وتجاربه وطموحاته.. ومحاولة الوصول إلى قدر من الموضوعية والحكمة جهاد ذاتي نمارسه جميعاً.
* والحقيقة أن العنوان أعلاه جاء كمحاولة جادة لذلك الإنصاف العسير.. فليس من السهولة عليّ بمكان أن أمنح نصف العالم للرجل بكل بساطة _ كشريك أصيل في الحياة بكل نواحيها _ ولكن الأمر جاء من منطلق قناعتي بأن كل المشاكل والأزمات والخلافات والسلبيات التي تطفو على سطح البيوت والشوارع والحياة بكل صورها النفسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية يتسبب فيها النساء والرجال على حدٍ سواء, وليست فقط من فعل أحدهما دون الآخر كما يزعمان.. وأن الرجل يبقى دائما عماد حياتنا وصاحب القوامة!
* رغم أنني في كثير من الأحيان كنت ميالة إلى تحميل المسؤولية الكاملة عن كل ما تقدم للرجل, على اعتبار أنه الأقوى وصاحب الكفة العليا في اتخاذ القرارات وسن التشريعات وبسط الحماية والكفاية, فيكون بذلك كل ما يطفو على السطح من إخفاقات ضمن حدود سلطاته ونتاج سلوكياته وبفعل يديه وعقله وإحساسه.
* ربما أيضاً يدفعني التاريخ الاضطهادي الطويل للمرأة على مر العصور, والتحجيم والمعاناة التي نالتها.. والمهام الجسام الملقاة على عاتقها جعلتني وغيري نتعاطف معها ونؤازرها وهي تجتهد في سبيل تغيير واقعها دون أن تتهم بالقصور أو الإخفاق.
وكانت موجة من المناهضة للرجال في الكتابات الشرقية قد اجتاحت عالمنا العربي منذ العشرينيات من القرن المنصرم وازدادت حدتها مطلع الستينيات من معظم الكتاب والكاتبات, رغم أن المرأة الكاتبة كانت تشعر دائماً بالقلق خشية أن تلصق بها ورفيقاتها تهمة ميراث التبعية حين يتضامنّ مع الرجل أو يؤمّنّ على أفكاره فيكنّ بذلك قد خُنّ أمانة الدفاع عن بنات جنسهن!
* وبالعودة للواقع والوقائع فإنه تأكد لنا أنه ما من تهمة أو مشكلة أو جريمة أو خطأ اجتماعي على وجه التحديد إلا وكان فعلاً مشتركاً بين الطرفين.. فالخيانة مثلاً لا يمكن أن تتم إلا بوجود رجل وامرأة, والاختلاف فقط قد يكون في حجم الدور أو الدوافع.
* والإنصاف – هذا المسلك الصعب الذي نوده اليوم – يتطلب منا أن ننظر للأمور بعينين حتى نرى الحقيقة المجردة ولا نظل على غينا في الدفاع المستميت عن المرأة ككائن مستضعف ومظلوم.
* مع أني أجد نفسي لا شعورياً أغتبط بإسناد أغلب الأدوار الشريرة في رواياتي اليوميه للرجال, ولكن ذلك لن يحول دون اعترافي المطلق بأن كل ما نعانيه منهم هو بالضروره نتاج طبيعي لما ساهمنا في بنائه وترسيخه في نفوسهم منذ كانوا أطفالاً نجتهد كأمهات في شحذهم بالجبروت والقوة والقسوة والغرور. ثم نأتي لاحقاً لنتبنى مفاهيم المساواة والندية ونسعى وراء المطالبة بالحقوق التي منحناها لهم يوماً عن طيب خاطر!!
* فعن أي مساواة نتحدث مع وجود هذا البناء السميك من التقاليد؟ وكيف لنا أن نحيا واقعاً لا يتناسب مع نفسية الرجل ولا يتوافق مع واقعنا النسائي الداخلي المجبول على توقيره واحترامه والتفاني لأجل راحته والإحساس الدائم بالحاجة له والسعادة في قربه؟!!
إنني لا أرغب يوماً في معاداة أي رجل.. ولا أتمنى أن أراه في صورة غير التي رسمتها له يوماً من الوقار والمروءة والرعاية.. وأعلم أن معظم الرجال المتسلطين الذين يمعنون في تعذيب النساء وقهرهن قد لا يعلمون الدافع الحقيقي وراء ما يقومون به.. دور الرجل الشرير الذي تكرهه النساء لا يستهوي الرجال كثيراً.. ولا يقوون على لعبه طويلاً, والاستمرار في القيام به يسبب لهم الكثير من الألم، هم الذين يبتغون مرضاتنا بالفطرة.
* إذن.. هم يتصرفون دون عمد.. ونحن – معشر النساء – نصرخ في كل الدنيا متسائلات: (لماذا يفعلون بنا ذلك؟)، ونطلق الأحكام عن كونهم متشابهين جميعاً قساة القلوب يتفننون في الجحود. وننسى أن فينا من السوء ما أحال حياة بعض الرجال إلى جحيم، وذهب بالبعض الآخر إلى مزبلة التاريخ ما بين دموعهم وكيدنا.
وليعلموا.. أن نصف العالم لهم.. ونصفه لنا.. وكل العالم يخرج من أرحامنا.
* تلويح:
وأنا ليك وبيك.. مداح عيونك ومشتهيك..
لا بقسى لا بحمل عليك