منصور الصويم

اللغة العامية أداة كتابة


برز اتجاه مؤخرا لدى الكثيرين من الشباب إلى اعتماد اللغة العامية (الدارجة) لغة أولى وأساسية في الكتابة، وأعني بالكتابة هنا المقال والدراسات ومناقشة الظواهر الاجتماعية والسياسية داخل السودان، أو خارجه. هذا الاتجاه بالطبع لا يظهر في القنوات الإعلامية الرسمية مثل الصحف وغيرها، ولكن يتضح بشكل جلي ويلاحظ بقوة في الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية والمدونات ذات التداول الموسع. وبعض هؤلاء الكتاب الشباب أعلن صراحة تمرده على اللغة العربية وأوضح رأيه بأنه يرى أنها غير (مواكبة) ولا تعبر تماما عن طريقتهم في التفكير ونقد الحياة، وبما أنهم يفكرون باللغة العامية (السودانية)، فمن الأجدر والأصح أن يكتبوا بها وعن طريقها يوصلون أفكارهم ذات الحمولات النقدية الجديدة.
مثل هذه الدعوات بالطبع قديمة، ظهرت في مصر ولبنان وغيرها من الدول العربية منذ أربعينيات القرن الماضي ولكن – لا أعتقد – أنها انتشرت سودانيا بمثل انتشارها اليوم. وهنا في هذه المقالة القصيرة لا أود مناقشة مدى صحة مزاعم المطابقة ما بين اللغة المحكية ولغة الكتابة أو اللغة التي نفكر بها واللغة التي يجب أن نكتب بها، وهل صحيح أن الطريقة التي ظللنا نكتب بها طوال السنين الماضية (العربية الفصحى)، تخلق حالة فصامية بين واقعنا ونمط تفكيرنا لذا عجزنا عن تطوير أدوات نقدية حقيقة تلامس الواقع السوداني وتدرسه بجدية أكبر وتقدم حلولا لأزماته المستفحلة؛ هذه بعض دفوعات من يميلون لاستخدام العامية السودانية في كتابتهم، وكما قلت لا أسعى لنقاشها هنا بقدر ما أحاول نقل الشيوع الذي تلاقيه هذه الطريقة من الكتابة.
فلو أجرينا مسحا سريعا لأكثر الكتابات (البوسات) مقروئية على موقع (الفيسبوك) مثلا، مع مراعاة أن تكون من النوعية الجادة؛ ذات البعد النقدي، فسنكتشف أنها كتابات شابة، لمجموعة غير معروفة أصلا من الكتاب الجدد، وأنها جميعها تعتمد اللغة العامية (السودانية) في تدوين الأفكار بغض النظر عن الموضوع الذي يناقشه المقال طولا أو قصرا، ورغم الصعوبة الأولية لمن اعتاد القراءة باللغة الفصحى في تتبع هذه الكتابات ومحاولات إكمال قراءتها، إلا أن من يقرأها سيكتشف أنها محملة بالأفكار الجديدة وتناقش قضايا وإشكالات حقيقية وتقدم قراءات نقدية جديرة بالمتابعة والتوقف عندها.
هذه الكتابات تجد – كما قلت – متابعة عالية جدا من جمهور وسائل التوصل، وجل هذا الجمهور من الشباب، بما يجلعني أقول أن هناك شبه إجماع شبابي – على مستوى وسائل التواصل – على أن هذه اللغة هي التي تعبر عن أفكارهم وليس اللغة الأخرى – الرسمية.
الأمر لا يعدو أن يكون – في هذه المرحلة – مجرد ملاحظة عابرة.