داليا الياس

احتياج

* هي الكلمة الأكثر شيوعاً وتعبيراً عن إحساسنا وما نحن عليه مؤخراً، فنحن أصبحنا نحتاج لكل شيء، لأننا نفتقر لكل شيء، حتى العواطف التي كانت من قبل تنمو بعيداً عن المضامين المادية أصبح يظللها هذا الاحتياج، فقد أصبحنا في أمس الحاجة للصدق والإخلاص والحب والحنان والثقة والمؤازرة، لم يتبق شيء خارج إطار الاحتياج هذا، فنحن نحتاج الأمان والاستقرار والأمل في غد أفضل، نحتاج لقمة العيش والسكن والعمل والصحة والتعليم.
* وكلما زادت متطلباتنا، اتسعت دائرة هذا الاحتياج.
وكلمة احتياج هذه كانت مرتبطة – قديماً – في عقلنا الباطن بالذل والهوان وإهدار الكرامة، وكان التعبير عن أي احتياج ما عيباً كبيراً يحسب على صاحبه، فقد كانت الثقافة السائدة هي ثقافة الستر والتعفف والتواضع والتعاون.
* الآن، كلنا نسعى لتحسين أوضاعنا، ونبحث عن الأفضل في كل شيء، نريد بيتاً أفضل وعربة أجمل وحباً أكثر وعملاً أكبر في عائده المادي، تراجع مفهوم الرضا والقناعة بأعماقنا وأصبح هدفنا جميعاً الحصول على كل شيء في أقصر وقت وبأقل مجهود، لم يعد لدينا صبر ولا أحلام وردية ولا طموح إيجابي نقوم من خلاله بتطوير ذواتنا والاجتهاد في حياتنا للحصول على هذه الأفضلية، فالوقت أصبح يتسرب من بين أيدينا على عجل.. والموت يحاصرنا من كل جانب.. ونحن نلهث لنعيش حياتنا كما يجب قبل أن يباغتنا على حين غرة مثلما أصبح معتاداً وربما هذه من علامات آخر الزمان والعياذ بالله.
إذن، ما عاد احتياجنا سراً نخفيه، بل أصبحنا نجاهر به على أمل أن نستدر تعاطف الآخرين وربما إشفاقهم للحد الذي يدفعهم لمعاونتنا على زماننا وأوضاعنا المتردية.
* هذا الاحتياج – بالضرورة – صاحبته العديد من التنازلات، وأصبح يتطلب أن نجتهد في تحسين قدرتنا على «تكسير التلج» وكسب رضا المعنيين بسد حاجتنا هذه، والأسوأ من ذلك أن معظمنا لم يعد يتوقف كثيراً ليتساءل عن شرعية ما يحققه من مكاسب، وكأنما اتخذنا هذه الاحتياج ذريعة للتغاضي عن القيم والتشريعات والأخلاق الحميدة.
البعض أصبح يخرج من منزله صباحاً ونصب عينيه هدف وحيد، هو العودة ظافراً بمتطلباته اليومية المتزايدة بأي وسيلة، ولا تكتمل سعادته إلا بحصوله على مبتغاه وتدفئة جيبه بالمال والعودة محملاً بالأكياس لداره وصغاره وهو يبتسم.. قد يكون في سبيل ذلك قد أدى أموراً خارجة عن القانون وعن التزامه الديني والأخلاقي ولكنه لا يكترث وقد يطعم أبناءه حراماً ولكنه لا يرتدع.. المهم أنه قد حقق إنجازه العظيم في توفير ما يلزم!!!
ومن هنا برزت الرشوة أو الإكرامية التي تحايلنا على اسمها لنداري سوءتنا.. ومن هنا أهدر المال العام واتسعت دائرة الثراء غير المشروع وتزايدت معدلات النصب والاحتيال.. فقد أصبحنا نرى في احتيالنا على الآخرين براعة وموهبة نحتفي بها.. ونبتكر الوسائل والأساليب التي من شأنها التأثير في الآخرين بالقدر الكافي لخداعهم واستدراجهم للسقوط في فخ مكائدنا وشباك احتياجنا.
*تلويح:
«لو كان الفقر رجلاً لقتلته».. ولكنه سبقنا فقتل مروءتنا وشرفنا وقيمة الرضا بالنصيب في حياتنا..