ضياء الدين بلال

حقائق وأكاذيب!


القصة قديمة ومكررة يكثر الاستشهاد بها، قصة الرجل البسيط الذي ادَّعى رؤية هلال رمضان، وحينما تقاطر عليه المدح والثناء أخذته نشوة الانتصار بعيداً، فسارع بادعاء وجود هلال آخر!
الفكرة التي تستبطنها القصة القديمة، أن نشوة انتصار محدود ومعقول قد تُلحق بك هزيمة كبيرة وتفقدك ما بيدك من مكاسب!
والأخطر من ذلك أنها قد تمنعك من فُرص الحصول على انتصارات قادمة!
قصة محمود الكذَّاب وهجوم النمر بمعكوسها – حماية حقيقة واحدة بجيش من الأكاذيب – تعطي ذات النتيجة وهي فقدان المصداقية.
عندما يفقد الشخص مصداقيته تتحول كل إفاداته حتى عن المسلمات إلى مشاريع أكاذيب، لذا ظلت كلمة السر في الإعلام الصهيوني: (المصداقية شبكة اصطياد المتلقي)!
قصة الراعي السوداني التي تناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي وتعاملت معها الفضائيات العربية فتحت الباب واسعاً أمام اكتشاف أكثر من هلالين في سماء المزاعم السودانية!
في كل مرة تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي قصة سوداني في إحدى دول الخليج قام برد مبلغ كبير من المال إلى أصحابه حينما عثر عليه صدفة في مكان ما!
آخر ما قرأت أمس أن بعثة الحج اليمنية تُكرِّم السائق السوداني (عنتر موسي) الذي أعاد مبلغ 13500 ريال سعودي لحاج يمني نسيها داخل البص الذي يقوده عنتر والذي رفض أخذ مكافأة من الحاج طالباً منه فقط الدعاء!
قبل أيام عقب حادثة سقوط الرافعة بالحرم المكي تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي وبعض الصحف أن من ضمن المصابين حاج سوداني، أصيبَ في رأسه، وعندما علم بقرار الملك سلمان بتعويض المصابين بمبلغ 500,000 ألف ريال سعودي.. رفض أن يقبل التعويض وقال: (إن هذا شرف كبير لي أن أُصاب داخل الحرم)!
أخبرني مصدر موثوق بالسفارة السودانية أنهم التقوا بالشاب ليثنوا على موقفه النبيل، فإذا به يفاجئهم بغضبه من سقوط اسمه من كشوفات التعويض، قائلاً أنه في حاجة ملحة لهذا المبلغ وطلب منهم المساعدة في إدراج اسمه ضمن قائمة التعويضات!
لا تكتب كلمة شكر أو مجاملة في حق السودانيين في صحيفة أو موقع إسفيري خليجي من أي كاتبٍ، صغر أم كبر، سرعان ما تتناقلها وسائط الشبكة العنكبوتية وتحتفي بها المواقع السودانية كأنها أوسمة شرف رفيعة!
لا أحد ينكر أن الأمانة وحُسن الخلق من الصفات التي ظلت تميز غالب السودانيين، وأن هذه القيم السلوكية أكسبتهم وضعاً مميزاً في خارطة العمل بدول الخليج، وهي صفات وقيم نسبية غير قابلة للتعميم.
الحديث المتكرر عن أمانة السودانيين عبر قصص وروايات إسفيرية بعضها صادق وكثير منها مُختلق، تعبر عن حالة انكسار معنوي وجرح عميق في قيمة تقدير الذات، لذا الجهاز المناعي العام يفرز هذه الروايات المختلقة ويروج للصحيح منها بصورة هستيرية كرد فعل دفاعي يدعم مقاومة الذات الجريحة!
بكل تأكيد لسنا في حاجة لشهادات براءة ذمة عامة من الآخرين، وليس لدينا شعور بالنقص نسعى لإكماله بالادعاءات والمزاعم.
هذه الحالة مع مرور الأيام وتعدد الروايات ستخصم منَّا ولن تضيف لنا وقد تتحول إلى مادة للسخرية أو هدف للتشكيك عبر روايات مضادة.
علينا أن نظل دوماً على قناعة راكزة: ليس في السماء سوى هلال واحد رأيناه أم لم نَرَه!


‫3 تعليقات

  1. شكرا يا استاذ ضياء واوافقك الرأي تماما بأن ما يحدث حاليا هو عقدة خطيرة يجب علينا التخلي عنها وإلا اصبحت مشكلة مزمنة سندفع ثمنها من رصيدنا الهائل لدى الآخرين ما عدا حادثة التدافع والتي أشبعناها نقلا وتصويرا وتشبيها وآن لنا أن نتوقف عن اجترارها هكذا

  2. زى كضبة عوض ابراهيم عوض
    قال فى امريكى قال ليهو اللوترى عملوه عشان السودانيين

  3. اوافقك الراي واقول ليتنا نقوم بتطبيق هذه الصفات الحميده التي نظهرها للاخرين في وطننا الغالي .معا لاقتلاع النفاق والرياء من اعماق انفسنا لو فعلنا ذلك لكانا حقيقة في طليعة الامم وليس نظريا…