استشارات و فتاوي

يترك الفجر والعشاء في المسجد لأن الزوجة تخاف!!

يترك الفجر والعشاء في المسجد لأن الزوجة تخاف!!

السؤال:
شيخنا الفاضل..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أسكن في بيت مع أسرتي الصغيرة زوجتي وطفلي .. زوجتي تخاف من الجلوس لوحدها في البيت خاصة في الليل فهل يجوز لي أن أصلي العشاء والصبح في بيتي؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فالأصل أن يحرص المسلم على صلاة الجماعة لقوله تعالى {واركعوا مع الراكعين} ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسـلم عليها حضراً وسفرا، سلماً وحربا، أداءً وقضاء، وقد ورد في الحث عليها جملة من النصوص منها فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ أَقَمْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَأَمَرْتُ فِتْيَانِي يُحَرِّقُونَ مَا فِي الْبُيُوتِ بِالنَّارِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ) وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِ الصَّلَاةَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ» وهو عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وقال عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: (لَقَدْ رَأَيْتَنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ. وقد ساق الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى أدلة القائلين بوجوبها وما يعارض تلك الأدلة ثم قال كلمة بليغة: فَأَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ الَّتِي لَا يُخِلُّ بِمُلَازَمَتِهَا مَا أَمْكَنَ إلَّا مَحْرُومٌ مَشْئُومٌ.ا.هـــــــ
وقد يعذر المسلم في ترك الصلاة مع الجماعة إذا قام به عذر يمنعه من شهودها، وهذه الأعذار عدها أهل العلم حيث ذكروا منها:
1- المطر الذي يحمل أوساط الناس على تغطية الرأس.
2- الوحل الذي يحمل أوساط الناس على خلع النعال.
3- الجذام المضر برائحته، وكذا كل مرض مؤذ برائحته أو عدواه.
4- المرض الذي يشق معه الوصول ماشيًا أو راكبًا.
5- تمريض قريب خاص كولد ووالد وزوج، وكذلك تمريض بعيد لم يكن له من يقوم به.
6- احتضار قريب أو وموته.
7- خوف حبس أو ضرب أو أخذ مال ظلمًا، وعدم وجود قائد لأعمى لا يهتدي بنفسه، وكذلك من لا يجد من اللباس إلا ما يزري به ويخل بمروءته.
قال ابن العربي رحمه الله تعالى: كل عبادة تسقط بالعذر الذي يسلب القدرة، أو يدخل في المشقة، أو يعرض الأذية في النفوس والمال، فالأول كالمرض، والثاني كالطين والمطر، أو البرد للعريان.ا.هـــ والأصل في ذلك ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسـلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول: (ألا صلوا في الرحال) وروى الشيخان أن ابن عباس رضي الله عنهما قال لمؤذنه في يوم مطير: (إذا قلت: أشهد أن مدذنا رسول الله فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذلك؛ فقال: أتعجبون من ذا؟ قد فعل ذا من هو خير مني. يعني النبي صلى الله عليه وسـلم؛ إن الجماعة عزمة، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والدحض).
وعليه فإذا كان سكنكم في مكان مخوف والزوجة لا تأمن على نفسها فلا حرج عليك في أن تصلي العشاء والفجر في بيتك، أما إذا كان المنزل في مكان مأمون ولا عادية للصوص فيه فما ينبغي لك الركون إلى خوفها بل السعي في علاجها، والله الموفق والمستعان.

فضيلة الشيخ د عبد الحي يوسف
الأستاذ بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم