بطيخ الجزيرة
لا أعرف إن كان سيأتي علينا زمان نغني فيه لـ (بطيخ الجزيرة).. الأحمر لونه وفي مدني سكون زبونه، كما غنينا في وقت مضى لسمسم القضارف، و(الزول صغير ما عارف)!! فكما تقول تراجيديا الخبر الذي ورد في (صحيفة الجريدة) ليوم الأمس الجمعة.. إن مزارعي الجزيرة يرفضون زراعة القمح ويتجهون إلى زراعة البطيخ.. على أن سياق الخبر من الوهلة الأولى يوحي إليك بأن هناك جهة تملي على المزارعين زراعة القمح، ولم تكن هذه الجهة بطبيعة الحال إلا الحكومة، والتي تسعى حثيثاً من جهتها لاسترداد وإعادة توطين هذه السلعة الاستراتيجية !!
* ولئن كان ذلك كذلك، معارضة زراعة القمح، فهل يكون وراء معارضة المزارعين لزراعة القمح، جهة تود إفشال خطة الحكومة في عملية صناعة الاكتفاء الذاتي من القوت، على حسب المعزوفة القديمة الجديدة، بأن هذا قد يطيل من عمر النظام !! كما حدث ذلك في صناعة النفط للوهلة الأولى، وقتها قام التجمع الوطني الديمقراطي بحملات مكوكية في الإقليم والعالم، حتى يقطع الطريق أمام صناعة النفط السودانية.. لأن ذلك قد يطيل من عمر النظام!!
* فلئن كان ذلك كذلك، فهل تكون مجموعة تحالف المزارعين، الجسم الزراعي المعارض الذي نهض أصلاً لمكافحة ومعارضة سياسة اتحاد المزارعين (الحكومية)!! هل يكون وراء حملة البطيخ هذه.. والشيء بالشيء يذكر.. ففي عهد نميري تفتقت بعض عبقرية نخب المعارضة على زراعة سلعة القرع، حتى ليستقيم ذلك الهتاف المحبب، الشعب زرع لنميري قرع !!
* تفوقنا نحن السودانيين، في كل معارضاتنا عبر الحقب في عمليات (الضرب تحت الحزام)!! فيذكر التأريخ المعارض، أن في فترة من الفترات لجأت المعارضة إلى سحب الخبز من الأسواق، حتى تجوع الجماهير وتخرج إلى الشارع تحت لافتة انعدام الخبز، فتلتقط تلك المعارضة قفاز الجوع وتذهب به إلى صناعة الانتفاضة، ليس لتأتي بخير أوفر من خبز الحكومة، ولكن لتعود إلى كراسي الحكم عبر ضايقة الخبز، هل يعيد التاريخ نفسه !!
* الجزيرة الخضراء في زمن ثقافي نضير قد شهدت أهزوجة (قام يتعزز الليمون)!! وأنا أبحث هنا عن مسوغ أدبي (يعز فيه البطيخ) و(ويذل فيه القمح)!! ولا أجد مجداً أدبياً أو اقتصادياً يمكن أن يحققه البطيخ مطلقاً.. إلا أن ينهض شيخ آخر على طريقة (كي الكريمت)، بأنه رأى رؤية في المنام، على أن شفاء السودانيين ونجاتهم وعافيتهم تكون ذات موسم يكثر فيه البطيخ ويقل فيه القمح والخبز !!
* يا أمة الخير، لن يكون بإمكاننا كأمة سودانية إنتاج بطيخ، أعني إنتاج تاريخ يليق بنا وبماضينا، إلا بعد ممارسة نظيفة للحكم والمعارضة بعيداً عن عمليات إنهاك الوطن والمواطنين.