سماسرة لبيع الآدميين على الحدود الشرقية !!
لم يخف والى كسلا “آدم جماع” عجز حكومته حيال تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر ، نظراً لاتساع حدود ولايته مع (أرتيريا) ، حيث تتدفق أعداد من مواطني تلك الدولة هرباً من الأوضاع التي تسود فيها، وبحثاً عن فرص أفضل للعيش.
وباتت ظاهرة اختطاف اللاجئين من قبل عصابات مجهولة على رأس الأحداث بالولايات الشرقية (كسلا – القضارف) واعتقلت السلطات السودانية (20) من المتعاملين في الاتجار بالبشر بينهم أجانب يقومون باعتراض المواطنين، وهذه ليست الجريمة الأولى بل تفشى الأمر واشتكى منه مواطنو ولاية كسلا على وجه الخصوص، كما أن اللاجئين في المعسكرات لازالوا يتوجسون من عمليات الاختطاف… (المجهر) وضعت تلك القضية الخطيرة على طاولة التشريح…فإلى إفادات الجهات المسئولة…
وكالات الاستخدام ..
ويتستّر الاتجار بالبشر في العاصمة الخرطوم وراء وكالات التوظيف والاستخدام الخارجى، وتمارس خلف هذه الواجهة أقبح ضروب الاستغلال ويضلّل الضحايا بإقناعهم بأنها مجرد وسيط وحلقة وصل تربط ما بين “العميل” وسوق العمل أو ربّ العمل المحتمل… والواقع أن هذه الوكالات تغرق ضحاياها بالوعود المعسولة التي لا يتكشف زيفها إلا بعد أن ينهوا رحلتهم عبر قنوات مريبة ومحفوفة بالمخاطر في أكثر الأحيان، فتتبدد صورة أرض الميعاد التي يبغون الوصول إليها في أوروبا أو الخليج، على سبيل المثال، أو عندما يكتشف هؤلاء الضحايا أن الأعمال والوظائف التي تنتظرهم لا صلة لها بالعمل الذي وعدوا به في الأصل، لا من حيث نوعه ولا قانونيته ولا شروطه.
ضحايا الاتجار ..
والرجال والنساء والأطفال الذين يقعون ضحية الخطف، والقسر أو الاستدراج لممارسة أشكال مهينة من الأعمال لمصلحة المتاجرين بهم .. في ظل ظروف غير إنسانية لا تحترم فيها حقوق العمل.. والنهاية الأقل سوءاً التي تنتظر ضحايا الاتجار هي أن يعملوا خدماً في المنازل .. غير أن كثيرين ممن وقعوا فريسة لهذه العملية ينتهي بهم المطاف إلى مصير أسوأ، وذلك حين يرغمون على معاناة أوضاع أقرب ما تكون إلى العبودية، ويضطرون إلى العمل خدماً لدى الحركات المتمردة في السودان والصومال أو حتى مصدراً للمتعة لدى أفرادها. وفي حالات أخرى، إذا لم ينته بهم الأمر في وضع أشبه بالعبودية في المنازل في الخليج أو موريتانيا أو مالي، على سبيل المثال، فإنهم قد يصدرون إلى الحركات المتمردة في البلدان المجاورة مثل ” جيش الرب للمقاومة” في أوغندا، الذي يستخدم الأطفال والأسرى من جنوب السودان..
كيف تتم عملية التهريب؟
وروى لـ(المجهر) أحد الضحايا، كيف تتم عملية التهريب، وقال : الخطوة الأولى تتم عن طريق الاتفاق بين السماسرة من الجانب الأثيوبي والجانب السوداني، ويتم تجميع العدد المطلوب تهريبه إلى داخل الحدود السودانية، فى المناطق التى تفصل بين البلدين، وبعدها يتم تسليمهم إلى السماسرة السودانيين، وهؤلاء بدورهم يعبرون بهم طرق وعرة وبعيدة، بواسطة “أدلاء” يعرفون شعاب هذه الطرق، والتي تكون عادة بعيدة عن مراقبة شرطة الحدود حتى داخل الأراضي السودانية.
وبحسب إفادات أحد الضحايا فإن الأشخاص الذين يدفعون نصف قيمة مبلغ التهريب المتفق عليه يتحركون عبر ولاية (القضارف)، وأما الذين يدفعون كامل المبلغ يتم تحريكهم عبر وسائل نقل محلية ليلاً إلى الخرطوم عبر منطقة البطانة، حيث يتم تسليمهم فى محلية شرق النيل إلى سماسرة آخرين إلى أن يصلون الخرطوم.
وبعد تحقيقات مشددة في ولايات شرق السودان، ومن ثم تمكنت السلطات هناك من إلقاء القبض على عدد كبير ممن يتاجرون بالبشر، ويهربونهم إلى إسرائيل، عبر صحراء سيناء، مقابل (1250) دولار ليتم نقله إلى إسرائيل.
كما تم القبض على شخص يدير مكتباً للاتصالات، ويتم عن طريقه تحويل العملات من وإلى إسرائيل، عبر جهة ثالثة.
ومؤخراً تم إرجاع (6) أشخاص إلى السودان على متن طائرة مصرية من القاهرة، كانوا مختطفين بواسطة عصابات الاتجار بالبشر، بغرض تهريبهم إلى إسرائيل، حيث تم اختطافهم من معسكر (الشجراب) ،وتمكنت السلطات المصرية من إلقاء القبض عليهم ،قبل دخولهم “إسرائيل” بعد أن فرّ الخاطفون، وحُبسوا في سجن العريش بمصر، وكانوا (8) أشخاص ، حيث تم تشريح (2) منهم وأخذ أعضائهم بواسطة تلك العصابات.
القانون السوداني..
القانوني البارز الدكتور “إسماعيل حاج موسى” ، قال لـ(المجهر) : الاتجار بالبشر جريمة يعاقب عليها القانون، مضيفاً أنه ومنذ السبعينات هنالك مراجعة للقوانين في كل المجالات الجنائية والمدنية لتتماشى مع تعاليم الإسلام، ولأن القانون يتأثر بما يحيط به من البيئة، لذا في حال ظهور مثل هذه الظواهر يجب مراجعة القانون لتكييف هذه الظاهرة، لأنه من غير المقبول أن يتم التعامل مع البشر كسلع تجرى المساومة عليهم والمطالبة بدفع الفدية من ذويهم أو بيعهم كما يحدث، وأضاف الحاج موسى أنه “لابد أن تتحرك كل الجهات العدلية ،والشرطة ،والأمن ،ومنظمات المجتمع المدني ، لمحاربة مثل هذه الظاهرة قبل أن تتفشى”.
واعتبرت الأستاذة “أميرة الفاضل” بوصفها مدير مركز دراسات المجتمع (مدا) أن قضية الاتجار بالبشر من جرائم العصر وتعود بالإنسانية إلى جرائم الرق الذي ظن العالم إنه قد اندثر ليعود بوجه أكثر إجراما ، مؤكدة أن الظاهرة تنتشر في غالبية دول العالم ولاتستثني دولة سواء كانت مصدراً أو معبراً ودولة استقبال .
مبينة لـ(المجهر) أسباب انتشار الظاهرة في الفقر وانعدام تكافؤ الفرص في العمل والتوظيف بجانب تطلعات المجتمع لتحسين وضعه المعيشي .
قيادات الشرق تحذر ..
عضو كتلة نواب شرق السودان بالمجلس الوطني “محمد طاهر أوشام” ، أكد أن ظاهرة تهريب البشر تعاني منها ولايات الشرق عامة، وولاية كسلا بصفة خاصة، وأبان أن الظاهرة أصبحت مقلقة، وذكر “أوشام” أن شرق السودان أصبح غير آمن من هذه الظاهرة ،وأن المواطنين هناك باتوا قلقين من تفشي الظاهرة رغم المجهودات التي تقوم بها سلطات الولاية .
وعزا “أوشام” تنامى الظاهرة لعدم وجود قانون رادع، واستبعد أن تكون وراء الظاهرة عصابات منظمة حيث قال (في اعتقادي أن من يقوم بعمليات تهريب البشر سماسرة هدفهم الحصول على المال).
فيما عبّر “مبارك مبروك سليم” القيادي من أبناء شرق السودان عن قلقه تجاه اتساع دائرة عمليات الخطف وتهريب وبيع البشر في شرق السودان، وأبدى استعداده للعمل ضمن المنظمات الأخرى للقضاء على الظاهرة، وأشار “سليم” إلى أن مافيا تحض جهات معارضة ومنظمات ، وبعض الأجهزة متورطة في القيام بهذا النشاط مستغلة شرق السودان مسرحاً لعملياتها غير المشروعة ،كما ألمح إلى تورط بعض أفراد من قبيلته الرشايدة، وأعلن سليم في اجتماع لتدارس القضية الذي عقد في ولاية كسلا عن بداية الحرب على المتورطين في تشويه سمعة بلاده بمن فيهم بعض أبناء قبيلته ،وأكد “سليم” أن عمليات التهريب تتم عبر طريق ولايات شرق السودان وعبر الحدود مع (ارتيريا) ،باشتراك لمنظمات عالمية تعمل على استقبال هؤلاء، وليتم بيعهم والتجارة بأعضائهم ، وكشف “سليم” عن شبكة تضم صوماليين واثيوبيين وارتيريين، ضالعة في هذا النوع من التجارة القذرة تعمل بتقنيات عالية وتدار من الداخل والخارج.
العميد “فتح الرحمن محمد صالح” من شرطة مكافحة التهريب قال : السودان يعتبر دولة عبور ، مرجحاً أسباب انتشار الظاهر إلى العطالة والفقر ، والموقع الجغرافي للسودان، وتقارب الحدود مع دول الجوار وكثافة اللاجئين بالمعسكرات والجانب المادي للذين يعملون كتجار للبشر
وأوضح أن السودان قام بجهود كبيرة لمكافحة الظاهرة من خلال سن تشريعات وقوانين وعقد عدد من المؤتمرات الإقليمية في هذا الشأن ، وتم تعيين وزير مختص لمكافحة الظاهرة بجانب تأسيس نيابة عامة لمكافحة الاتجار بالبشر .
وكانت ولاية كسلا وضعت قانوناَ يقضي بمعاقبة من يتورط فى قضايا تهريب البشر بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات، أو السجن والغرامة معاً.
قلق دولي !
وبحسب تقارير الأمم المتحدة فإن عدد ضحايا تهريب البشر خلال العامين (2011-2012) م، تجاوز (61.555) شخصاً ،وشهد معسكر الشجراب (100 كلم جنوب كسلا)، الذى هو من أكبر المعسكرات التي تأوي اللاجئين في شرق السودان أحداثاً دامية، حيث سقط قتلى وجرحى فى صدام جرى بين اللاجئين والشرطة من جهة، ومهربين مفترضين للبشر.
من جهة أخرى
ونتيجة لتصاعد وتيرة اللاجئين والمخاطر التي يتعرضون لها ،أعربت الأمم المتحدة عن قلقها تجاه ظاهرة الإتجار بالبشر التى يتعرض لها اللاجئون،وأكدت “المنظمة” أن شرق السودان ،بات معبراً لعصابات تهريب البشر، وقال “فيلكس رومي” ،مسئول الحماية بمفوضية الأمم المتحدة بشرق السودان ،أنه فى الشهر الواحد يتم تسجيل حوالي (20) عملية.
عملية خطف للاجئين ..
وكشف “انطونيو غورتيرس” مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ،خلال زيارته الأخيرة إلى السودان ،عن اتفاق المنظمة والحكومة السودانية ومنظمة الهجرة الدولية ،على برنامج لرفع قدرات الشرطة في مواجهة مهربي البشر ، وأضاف أن ظاهرة تهريب البشر تعتبر عملية مقلقة ، وأمّن على فكرة أنه لابد من تحرك دولي حقيقي لجمع المعلومات ،وبناء قدرات الشرطة السودانية للتعامل مع الأمر ،وأن تتعاون دول الإقليم حتى نتأكد أن هؤلاء المجرمين الدوليين تم إيقاف أنشطتهم وردعهم بقوة ،وأضاف “غوتيريس” أنها ليست مشكلة السودان وحده ، وإنما هى شبكة تتحرك في عدد من الدول”.
وأعتبرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة عمليات خطف اللاجئين في شرق السودان بأنها من أسوأ أشكال الإتجار بالبشر في المنطقة.
دعم أوروبي ..
الاتحاد الأوروبي جدد دعمه لجهود السودان في مكافحة الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، ونقل سفير الاتحاد الأوربي بالسودان، “توماس يوليشيني” إلى وزير الداخلية ، الفريق “عصمت عبد الرحمن”، الأربعاء، الهدف الرئيسي والمباشر لأنشطة الاتحاد الأوروبي الحالية بشأن الهجرة هو الاهتمام بإنقاذ الأرواح ومنع استغلال المهاجرين.
وبحث “يوليشني” مع الوزير التحضير لقمة الاتحاد الأوروبي وأفريقيا المتوقع عقدها في جزيرة مالطا بالحادي عشر من نوفمبر المقبل لمناقشة الهجرة والاتجار بالبشر، وأكد على أن الاتحاد الأوروبي يتطلع لدعم وتعزيز قدرات السلطات السودانية المكلفة بمكافحة الاتجار بالبشر، منوهاً إلى أن الدعم يجب أن يكون مكملاً للمساعدات الإنمائية وخصوصاً فيما يتعلق باللاجئين والنازحين والمجتمعات المضيفة.
وقدم سفير الاتحاد الأوروبي شرحاً لوزير الداخلية حول أهمية إدارة التعاون والتنسيق الدولي بين بلدان المنشأ والعبور والمقصد فقط، ورحب وزير الداخلية بدعم الاتحاد الأوروبي للسودان بشأن الهجرة، وأكد التزام الحكومة بالتعاون الكامل مع الاتحاد الأوروبي بشأن ذات الأمر.
وكان وزير الخارجية “إبراهيم غندور”، بحث بدوره مع وفد وزارة الخارجية الألمانية المكون من الممثل الإقليمي لدول جنوب الصحراء والساحل “جورج شيمت”، رئيس قسم شرق أفريقيا والقرن الأفريقي ومدغشقر “فيلد هيدسون” قضية الاتجار بالبشر ، وقال “غندور” إن السودان ظلّ معبراً لهذه التجارة، مؤكداً أنه يبذل جهوداً كبيرة عبر كافة مؤسساته ذات الصلة لمحاربة الظاهرة والتي تحتاج إلى دعم دولي لمحاربتها.
وكان المجلس الوطني أقر في يناير (2014)، قانوناً يقضي بإنزال عقوبة الإعدام أو السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تتجاوز الـ(20) عاماً على مرتكبي جريمة الاتجار بالبشر.
وأتى ذلك في تزامن مع استضافة الخرطوم للمؤتمر الأول لمكافحة الاتجار بالبشر، بمشاركة (18) دولة ومنظمة دولية، لمناقشة كيفية مكافحة الظاهرة، وتنسيق الجهود لمواجهتها، وبحث آفاق التعاون بين دول الإقليم لإيجاد معالجة لقضايا وتحديات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين من وبين دول القرن الأفريقي.
المجهر السياسي