يوسف عبد المنان

ريال “أردول”


{ أسوأ ما في تجربة الجيل الثالث من قادة متمردي الجيش الشعبي لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان شحن النفوس بضغائن وأحقاد ومرارات شديدة تكاد تذهب العقل السوي، وتجعل من التشنج ورفض الآخر هو الأصل في الممارسة .. الجيل الأول لحركة التمرد في المنطقتين انتهى وغادر مسرح الفعل الآن، أما الغياب الأبدي كـ”يوسف كوة” و” محمد جمعة نايل ” ومحمد يوسف” أو بمغادرة مسرح الفعل بالسجون والخلافات والاسترخاء بعيداً عن غمار المعركة مثل “تلفون كوكو” واللواء “خميس جلاب” و”دانيال كودي”، والجيل الثاني من الحركة المتمردة الذي كان فاعلاً في الفترة من 2005 وحتى اندلاع الحرب مجدداً في عام 2011 يمثله ” الحلو” ود. ” أحمد عبد الرحمن سعيد” و”مالك عقار” والجنرالات “أحمد العمدة” و”حمزة الجمري” و”تية إدريس” .. ولكن الجيل الثالث من قادة الحركة الشعبية خريجي الجامعات في تسعينيات القرن الماضي جيل مختلف جداً في تفكيره ورؤيته لمستقبل المنطقة، ورفضه شبه المطلق لقومية السودان ونظرته الانكفائية وهم أقرب لشباب معسكرات اللاجئين والنازحين وضحايا حرب الجنوب الذين حملوا “سلفاكير” وقادة الحركة الشعبية قهراً لتغليب خيار الانفصال على الوحدة .. بل بلغ الأمر بتيار شباب من أجل الانفصال تهديد الرئيس “سلفاكير” وقادة الحركة بإزاحتهم من القيادة، إن هم لم ينحازوا لنبض الأغلبية الداعمة للانفصال حينذاك في جنوب السودان .. جيل الحركة الشعبية في المنطقتين الذي بصدد الحديث عنه مشحون بالأحقاد والمرارات الفظيعة جعلت لبعضهم ارتدادات عقائدية وثقافية واجتماعية.. هذا الجيل يمثله “مبارك عبد الرحمن أردول” وقمر دلمان” الذي نشأ في أحضان الحركة الإسلامية، وكان ناشطاً في صحيفة (رأي الشعب)، واليوم ارتد على عقبيه حتى بدل اسمه من “قمر” إلى جاتيكا وبدل اسم والده من “دلمان” إلى “أرو”.. وخلع “عبد الرحمن أردول” ثياب جماعة أنصار السنة المحمدية ليصبح داعية لعقائد الكجرة والأسحار والمعتقدات المحلية.. وهناك “بثينة دينار” التي كانت ناشطة في طلاب رابطة جبال النوبة بجامعة القاهرة الفرع ومن دعاة السلام والديمقراطية، فقد أصبحت اليوم من المناهضين حتى لأطروحة الحكم الذاتي التي دعت إليها الحركة مؤخراً.. واتخذت “بثينة” موقفاً متطرفاً بالدعوة لفصل جبال النوبة.
{ في أول عمل روائي للناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية “مبارك أردول” يتكشف بجلاء منهج التفكير الجديد لقادة الحركة الشعبية قطاع الشمال، وقد أثار “مبارك أردول” في تجربته الأولى في الكتابة الإبداعية حزمة من التساؤلات من واقع شخوص الرواية التي لم تتجاوز فكرتها تبرير الأسباب التي تدفع أبناء منطقة جبال النوبة الى الانضمام للحركة الشعبية. ولكن “أردول” ومعه الجيل الثالث من قادة الحركة الشعبية يتجاوزون خطاب التهميش التقليدي الذي اتخذته الحركة أسلوباً لتعبئة الرأي العام في المنطقة، إلى أسلوب جديد بشحن النفوس بمرارات من خلال (اختلاق) أحداث من وحي الخيال الخصب وتسفيه مشروعات الآخرين الفكرية والسياسية.. ومحاولة إيقاظ الشعور بأن هناك صراعاً ثقافياً بين الموروث التقليدي من عادات وثنية وديانات قديمة والإسلام كدين انتشر في جبال النوبة بالحسنى والمنطق والحجة، ولم يصادم فطرة الإنسان هناك ولم يصادر تقاليده وأعرافه.. بل احتفظ الإسلام بالأسماء ذات المدلولات المكانية.. والكاتب “عبد الرحمن أردول” يجنح بروايته الموسومة (بساعي الريال المقدود) إلى إخراجها من دائرة الأدب والإبداع إلى الخطاب السياسي المباشر الممعن في شرور الصراع.. ويصور “أردول” الارتدادات النفسية لجيله من منسوبي الحركة الشعبية الوافدين إليها من تنظيمات ومدارس فكرية أخرى، بأنه أصل الصراع ومنشأ أسباب الحرب التي تدور الآن في المنطقة لأسباب سياسية محضة.. وليست لأسباب ثقافية كصراع بين الثقافات المحلية الموروثة والإسلام كدين والعروبة كثقافة.. وإلا كيف يستخدم “أردول” سلاح اللغة العربية لنحرها ووأدها.. من أجل بديل هلامي.. ويخطئ “عبد الرحمن أردول” حينما يضع أغلبية المسلمين في جبال النوبة (90%) من السكان في مواجهة غير متكافئة مع أقلية لا دينية.. وفي الكتاب الذي صادرته السلطات من معرض الخرطوم دون مبررات وبطريقة تنم عن عشوائية في الممارسة، ثغرات تجعل من كتاب (ساعي الريال المقدود) خصماً على كاتبه.
غداً نواصل


تعليق واحد

  1. الاطروحات بتاعت بثينة دينار دى شوفوا لينا واحد يتبناها دخلوها الحيشان الداخلية والخارجية شوفوا كلونى ولى بلونى يخارجكم من وسخ الخرطوم مالكم ومال الهم .. سرعوا