ريال “أردول” (2)
مسرح رواية ساعي الريال المقدود (للكمرد) “مبارك عبد الرحمن أردول” تدور في ثلاث مناطق بريفي غرب مدينة “الدلنج” وفي جامعة السودان والسوق العربي الخرطوم، ومسرح أخير تنتهي إليه الرواية معسكرات الجيش الشعبي في الجبال الغربية. وتتخذ الرواية منحى قصصياً أقرب لما يعرف بالأدب الواقعي لكنها مباشرة جداً في خطابها ومضامينها، وهي تنصب محاكمة عشوائية لما يعرف اصطلاحاً بمشروع الإنقاذ الإسلامي الوطني الذي يوسم عند التيار العلماني بالمشروع الإسلامي.. والشخصية الرئيسية في الرواية طفل صغير بدأ حياته في إحدى أرياف “الدلنج” اسمه “دكروري” ووالده هو ملك القبيلة وحاكمها الطبيعي ويسمى “دلتمان”.. وحينما تم قبوله بالمدرسة الأولية بهذا الاسم تعرض بعد سنوات قليلة لانحرافات في حياته على حد تعبير الراوي.. حيث غشيت المنطقة كلها ثورة الإنقاذ التي وصف الكاتب حداة ركبها وقادة مشاعل التغيير فيها هم عصبة الموظفين في الدولة من كتبة المحاصيل في الأسواق والكمسنجية ومنسوبي القوات وأئمة المساجد ومدرسي الخلاوي، أو ما يعرف بالكتاتيب في غرب أفريقيا وأما مك القرية تحالف مع إمام المسجد الذي يدعى “الجيلي” وهو شخصية انتهازية تعمل على توظيف الدين الإسلامي في تحقيق مآربه الشخصية، (بالانغماس) في الشهوات لدرجة تطليق امرأة من زوجها لينكحها هو.. وأقنع شيخ “الجيلي” مك القبيلة لتغيير اسمه إلى “عثمان” وتبديل صفته من مك إلى أمير نزولاً لمقتضيات مشروع الحكومة الجديد الذي يسعى لتغيير الأسماء القديمة بأخرى حديثة.. وطبقاً لتلك التغييرات فقد أصبح الطفل “دكروري” “دفع الله عثمان” بدلاً من “دكروري دلتمان” قبل أن يغشى المنطقة التغيير الحديث.. وفي ذات السياق عمد الكمسنجي الذي يتولى الإشراف على نقل الأهالي بعربة أحد التجار يومي (الخميس) و(الاثنين) لسوق “الدلنج”ن لتغيير أسماء الأهالي فأصبحوا في كشف اللوري “حماد” و”محمد عثمان” و”صالح” بدلاً من “تية” و”كركون”.. واتساقاً مع موجة التغيير تلك فإن كاتب محلج الأقطان الواقع في حي التومات بالدلنج أرغم المزارعين القادمين من ريف سلارا على ظهور الدراجات الهوائية والحمير، على تغيير أسمائهم نظير حصولهم على عائد القطن يباع في المحلج بسعر زهيد.. وغادر “دكروري” أو “دفع الله” المنطقة بعد أن ضربها الجفاف وقلة المطر الذي فشل الأئمة والدعاة المسلمين في نزوله من السماء، إلا بعد الاستعانة (بالكجور) أي الآلهة المحلية ليطعن “أردول” في الدين الإسلامي ويفضل عليه الكجرة وعبدة الأوثان، وهو الذي كان في ربيع عمره أصولياً على طريقة الوهابية في الجزيرة العربية. انتقل “دفع الله” للخرطوم ليعمل في مجالات البناء تحت رحمة كبار المقاولين، ولكن التمييز السالب في حقه جعله لا يبلغ مرتبة المقاول، الشيء الذي دفعه للعزم على دراسة الهندسة فجلس لامتحانات الشهادة السودانية وحقق تفوقاً كبيراً على بقية الطلاب ليصبح واحداً من طلاب كلية الهندسة، لكنه لا يستطيع الوفاء بالتزامات الدراسة ولا يتكئ على أسرة تتحمل تبعات مصاريف الجامعة، ليعمل بعد الدراسة في تجارة الملابس القديمة في الأسواق الطرفية حتى وصل السنة الرابعة، لتبدأ التغييرات في حياته من خلال ارتباطه العاطفي بفتاة من مدينة “كوستي” عاطفياً.. جعلته يقترب من طلاب الجبهة الأفريقية، ويبتعد كثيراً عن طلاب الاتجاه الإسلامي خاصة مع تصاعد العمليات العسكرية في جنوب السودان وإعلان الحكومة الجهاد للطلاب. وقد رفض ذلك وتم تصنيفه كطابور خامس ليعود في إحدى الإجازات لمسقط رأسه “الدلنج” وقريته التي وجدها قد أصبحت شبه خالية من السكان.. لكنه مع صديق من دولة جنوب السودان استطاعا التوغل في الغابة والوصول لمعسكرات الجيش الشعبي الذي احتفى بهم كطلاب قادمين من الخرطوم.. وتنتهي الرواية بعودة “دفع الله” المهندس إلى مسقط رأسه ويستعيد اسمه القديم “دكروري”، ويصبح متمرداً في جيش التحرير الذي استقبله كثمرة لنضالات من هم في الداخل.. بهذا الادعاء السياسي العريض تنتهي الرواية التي تمت مصادرتها من معرض الخرطوم الدولي، وهي خطوة جاءت برغبة كاتبها ولو تركت لما اهتم بها أحد لفقرها الشديد لعناصر التشويق والإثارة.
و أين أسهامكم الأدبي خلال 26 عاما” و عناصر تشويقكم واثارتكم يا حملة المشروع الحضاري ؟؟
بالرغم من امتلاككم للمال و الاعلام و دور النشر الا انكم فشلتم في اختراق وجدان الانسان السوداني و فقركم و ضعف مردودكم الثقافي اكبر دليل على خوائكم من كل شئ جميل .