بماذا يفيد الأدب إن لم يعلّمنا كيف نحبّ؟»
للشاعر ريلكه كتاب عنوانه «رسائل إلى شاعر شابّ»، يشرح فيه، لمن يريد القبض على نار الشعر، كيف يصبح شاعرًا، وأيّ جحيم عليه أن يعبر قبل بلوغه فردوس القصيدة.
وأخيرًا، أصدر الروائي البيروفي، الوسيم شكلًا وقلمًا، ماريو بارغاس يوسا، كتابًا بعنوان «رسائل إلى روائي شابّ»، هبّ من خلاله لنجدة الروائيّين الشباب الحائرين أمام الكيمياء المعقّدة للإبداع، التي تتفاعل في دهاليز النفس المعتمة والقصيّة، مثل فنٍّ لا يمكن القبض عليه.
أمّا محمود درويش، ففاجأ أتباعه قبل رحيله بتركه “رسالة إلى شاعر شاب”. قصيدة على شكل وصيّة كمن يترك آخر تعاليمه، لمن سيواصل طريق الشعر بعده، مختصرًا عليه عمرًا من الأخطاء.. لا الخطايا.
حدث كثيرًا أن تمنّيتُ لو أنّي أملك الوقت والصبر اللازميْن لكتابة «رسائل إلى عاشقة شابّة».
لا أحد يعلّمنا كيف نحبّ.. كيف لا نشقى.. كيف ننسى.. كيف نتداوى من إدمان صوت من نحبّ.. كيف نكسر ساعة الحبّ.. كيف لا نسهر.. كيف لا ننتظر.. كيف نقاوم تحرّش الأشياء بنا.. كيف نحبط مؤامرة الذكريات.. وصمت الهاتف.. كيف لا نهدر أشهرًا وأعوامًا من عمرنا في مطاردة وهم العواطف.. كيف نتعاطف مع جلّادنا من دون أن نعود إلى جحيمه.. كيف ننجو من جحيمه من دون أن نلقي بأنفسنا في تهلكة أوّل حبّ.. كيف نخرج من بعد كلّ حبّ أحياءً وأقوياء.. وربّما سعداء.
هل من يُخبرنا، ونحن نبكي بسبب ظلم من أحببنا، أنّنا سنضحك يومًا ممّا أبكانا؟
سنندم كثيرًا لأنّنا أخذنا الحبّ على محمل الجدّ. فلا أحد قال لنا إنّه في الواقع أجمل أوهامنا وأكثرها وجعًا.
وذلك لسبب بسيط: فقدر الحبّ الخيبة؛ لأنّه يولد بأحلام شاهقة أكبر من أصحابها. ذلك أنّه يحتاج إلى أن يتجاوزهم ليكون حبًّا.
لا يمكن حصر عدد الكتّاب الذين، عَبْرَ الأزمنة والحضارات وبكلّ اللغات، عملوا مرشدين عاطفيّين للتائهين من العشّاق في الأزقّة والشوارع الجانبيّة للحبّ. ليس لي هذا الادّعاء. أنا مجرّد ممرّضة لا تملك سوى حقيبة إسعافات أوّليّة، لإيقاف نزف القلوب الأنثويّة عند الفراق.
مع القطن والسبيرتو والضمادات، أحمل لكُنّ كثيرًا من الضحك. هل تعرفن علاجًا أفضل؟
أمّا النسيان، فتركتُ له القُبَل.
“ما لا تستطيع أن تتفاداه قبّله”.
( من كتاب ” نسيان كم )