مغادرة “علي عثمان” للملعب السياسي.. دلالاتها ومعانيها
هل حقاً غادر “علي عثمان محمد طه” المسرح السياسي؟ وهل مغادرة شخصية سياسية ظلت حاضرة ومساهمة في تقرير مصير بلد كالسودان لمدة تجاوزت الـ(40) عاماً ما بين زعامة المعارضة وزعامة الحكومة، يمكن إعلانها في حدث صغير، بمناسبة تدشين منظمة يرعاها النائب الأول السابق “علي عثمان” تعنى بشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة من المعاقين جسدياً؟؟ حيث جاء في صحيفة (الانتباهة): خرج النائب الأول السابق “علي عثمان محمد طه” عن صمته غير المعلن وكشف لأول مرة عن تركه العمل السياسي واتجاهه للسياسة الحقيقية في الأوساط الاجتماعية.. واحتفاء (الانتباهة) بإعلان “علي عثمان محمد طه” تلك الخطوة، جاء بعد تغييرات على صعيد الطرفين، فالصحيفة التي احتفت بالخبر كانت أكثر الصحف نقداً لـ”علي عثمان” وتجنياً على اتفاقية السلام التي وقعها، بل لعبت دوراً في إفساد مناخ السلام بعد عام 2005م بدعوتها جهراً لفصل الجنوب.. وكان لوجود “الطيب مصطفى” حينذاك على رأس قيادة الصحيفة الأثر البالغ لحملها على معاداة اتفاقية السلام.. وبعد مغادرة “الطيب” الصحيفة بدت أكثر واقعية وبعداً عن إثارة النعرات العنصرية البغيضة. وقد قال د. “منصور خالد” في كتابه “انفصال جنوب السودان زلزال الشرق الأوسط وأفريقيا” عن صحيفة (الانتباهة) ودورها في زلزلة الساحة الوطنية: حينما تقرأ في صحيفة “منبر السلام” أكثر من خبر مبثوث له شهيق وزفير، خبر ينبئك بفرح غامر أن عسكرياً منشقاً عن الجيش الشعبي أشعل الحرب في ركن من أركان الجنوب، وآخر يروي لك عن يقين لا عن حزر وتخمين أن عسكرياً آخر سينشق عن ذلك الجيش، وثالث يؤكد أن المنشقين سيكونان وشيكاً تحالفاً ضد الجيش الشعبي حتى تكاد تظن إن لم يعد للصحيفة من هدف غير تقويض نظام لم يستو بعد على سوقه.. انتهى حديث د. “منصور خالد”.. وقد تحققت ما عدها د. “منصور” أماني على أرض الواقع في الجنوب اليوم ولا يزال كثير من الشماليين يمنون النفس برؤية الجنوب يحترق بنيران نفسه حتى (يتلاشى) من الوجود!! وقد شكل جنوب السودان ميداناً بزغ فيه نجم “علي عثمان محمد طه” منذ سنوات الديمقراطية الثالثة، و”عثمان” يقود المعارضة الجسورة في مواجهة حكومات السيد “الصادق المهدي” الضعيفة.. وبعد أن نسج “علي عثمان محمد طه” في سنوات مايو علاقات واسعة بالمؤسسات العسكرية ونفذ كل توجيهات د. “الترابي” بالاستعداد لحكم السودان.. خلال استقطاب الضباط وجنود الصف للحركة الإسلامية.. ظل “علي عثمان محمد طه” زعيم المعارضة يتفقد القوات المقاتلة في الدمازين وكادوقلي وواو وملكال، ويشحذ همتها وهو يقف معها في خندق واحد، بينما اختارت أغلب الأحزاب المنطقة الوسطى بين التمرد والجيش.. واختار الحزب الشيوعي والحزب القومي الوقوف علناً مع المتمردين.. تلك المواقف عززت مكانة “علي عثمان” في نفوس العسكريين.. وحينما وضع أمام الرئيس “عمر البشير” خيارات محدودة جداً ليختار من بينها نائبه الأول بعد رحيل “الزبير محمد صالح” في حادثة سقوط طائرة الناصر، اختار “البشير” “علي عثمان” الذي ألفه وعرفه وألفته القوات المسلحة وتم استبعاد خيار د.”علي الحاج”.. وما أن جلس “علي عثمان” على كرسي الرجل الثاني في الدولة حتى أصبح الجنوب شغله والحرب همه، كيف يتم التوصل لاتفاق ينهي الحرب التي امتدت منذ 1955م.. ومد جسور الوصل في هدوء وصمت مع “أبيل ألير” حكيم الجنوبيين القريب من كل قادة الحركة الشعبية، ونظر “علي عثمان” لقضية الجنوب باعتبارها قضية مصيرية.. كان مخلصاً في الوفاء باستحقاقات التسوية، لكنه ما كان ذاتياً في مشروع السلام.. جعل قيادة الدولة ممثلة في الرئيس “البشير” هي المشرف على كل تفاصيل أشهر المفاوضات مع متمردي الجيش الشعبي.. وحينما تم التوصل لاتفاق السلام، أصبح “علي عثمان” بطلاً وحيداً في الساحة وتعلقت آمال السودانيين في الجنوب والشمال بالسياسي قصير القامة، ثاقب النظر، قليل الحديث، كثير الفعل، يحيط نفسه بهالة من الصمت وعدد محدود جداً من التلاميذ المخلصين.. لكن الأقدار أخذت رفيق دربه في المفاوضات وغيب الموت “جون قرنق” لحكمة يعملها الخالق مدير الكون.. وبموته قفز على قيادة الجيش الشعبي في الجنوب والحركة الشعبية تيار الذاتية الجنوبية أي (الانفصاليون) القدامى، وبعث “سلفاكير” من مرقده في رومبيك ليقود حركة لا يعرف كثيراً عن تفاصيلها.. وحكومة وحدة جاءت أغلب عناصرها سواء من الشماليين أو الجنوبيين من المناوئين لاتفاقية السلام.. وجاء تشكيل الحكومة الأولى بعناصر شمالية لم تشارك في المفاوضات، وربما إيمانها بالاتفاقية نفسه ضعيف جداً، وقد تسلل بعض من هؤلاء إلى عرصات “منبر السلام” الذي ولد لقتل الاتفاقية والمشي في جنازتها.. ومثلما حدث في صفوف المؤتمر الوطني من إقصاء شبه كامل لفريق التفاوض في “نيفاشا” حدث ما هو أبشع من ذلك على جبهة الحركة الشعبية التي قامت بإقصاء متعمد وممنهج للمفاوضين، وكانت تلك هي أولى مؤشرات انفصال الجنوب وذهابه إلى سبيله، وحينما نظر “علي عثمان محمد طه” لمن حوله من الوزراء والتنفيذيين وجد نفسه محاطاً بتنفيذيين يجهلون عن الاتفاقية كل شيء.. لتدخل البلاد في نفق طويل من نزاع الشريكين انتهى بفصل الجنوب.. وشهدت سنوات الفترة الانتقالية بداية غروب شمس الرجل الأول في الحركة الإسلامية بسبب الآلة الإعلامية التي انهالت على الاتفاقية نهشاً بلا رحمة.. وأخذ قيادات الحزب الحاكم يتبرأون منها براءة الذئب من دم “ابن يعقوب”، وبلغت الجرأة بالنائب البرلماني “حمدي سليمان” عن دوائر بحري بأن يقول: (المؤتمر الوطني لن يعيد تكرار أخطاء “علي عثمان” ويوقع اتفاق سلام مع الذين يحملون السلاح).. تلك هي المزايدات والتنكر لرجل لا يستطيع أمثال “حمدي سليمان” ذكر اسمه مجرداً من صفة “شيخ” حتى عهد قريب!!
وجاءت قضية خلافة الرئيس “البشير” كمحطة مهمة جداً في مسيرة “علي عثمان” السياسية وأعلن من خلال المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني عن ترشيح الرئيس “البشير” للدورة الحالية التي اقتضت فيها أسباب سياسية أن (يتخلى) الرئيس عن الحرس القديم للإنقاذ ويختار نائبه الأول من المؤسسة العسكرية، وهو اختيار حسم به مسألة الخلافة نهائياً، فأصبح الفريق “بكري حسن صالح” هو الرئيس القادم بعد تنحي “البشير”، ربما، بنهاية الدورة الحالية في 2020م، لكن الاتجاهات الواقعية داخل المؤتمر الوطني تقول إن “البشير” مؤهل لفترة رئاسية جديدة تنتهي في العام 2025م، وبعدها يختار “البشير” خليفته في رئاسة الحزب والدولة.. ففي ظل مناخات السودان الحالية لن يتقلد رئيس مدني السلطة في القريب العاجل، لأن وجود العسكريين على قيادة البلاد يحصنها من الانقلابات العسكرية ويحقق قدراً من الرضا والاستقرار الأمني والسياسي، فإذا كان “علي عثمان” الذي هو أقرب قيادات المؤتمر الوطني للمؤسسات العسكرية قد ذهب إلى منزله راضياً في نفسه وناذراً لها بخدمة القطاع الاجتماعي العريض، فإن قبول المؤسسات العسكرية بشخصية مدنية غير “علي عثمان” يصبح مسألة صعبة جداً، لذلك وجود الفريق “بكري” اليوم في منصب النائب الأول يعدّ بمثابة ضمانة لاستقرار البلاد من عواصف الخلافات ونزاعات السلطة وأطماع المدنيين في حكم هم غير مؤهلين له في ظل تعقيدات الخارطة السياسية في البلاد.
ومغادرة “علي عثمان محمد طه” لكرسي الحكم، وتنحيه عن منصب النائب الأول هو خطوة أولى لمغادرته المسرح السياسي رغم احتفاظه بموقعه كنائب في المجلس الوطني وعضوية المكتب القيادي في حزب المؤتمر الوطني، لكنها عضوية أقرب للشرفية، وإذا كان “علي عثمان” بكل نفوذه وقدراته التنظيمية وبراعته في لعبة الشطرنج السياسية قد بات بعيداً جداً من تفاصيل الأداء في الدولة، فعودته مرة أخرى تبدو صعبة جداً.. ولن يرتضي الرجل بموقع في الدولة أقل من منصب النائب الأول، فأي منصب يتقلده حتى لو كان رئيساً للبرلمان يكون خصماً عليه وليس إضافة له.. ويأسى المرء كثيراً حينما تخرج تسريبات من أضابير الدولة والحزب تتحدث عن ترشيح الرجل الأول في الحزب والحركة الإسلامية لسنوات طويلة لمنصب سفير في دولة تركيا.. هل يعقل أن يصبح “علي عثمان” موظفاً تحت أمرة وكيل الخارجية الذي كان الموظف الرابع في مكتب وزير الخارجية قبل سنوات قليلة.. وحينما يقول “علي عثمان” إن السياسة الحقيقية في الفضاء الاجتماعي الواسع فإنه ينتصر لأخلاق وقيم اندثرت بأن يترجل المسؤول عن مقعده الوزاري ويعيش حياته مواطناً عادياً يتأمل ما يجري في الساحة، ويهب تجربته وعلاقاته الداخلية والخارجية ونفوذه في الحزب والحكومة سابقاً لصالح الفقراء والمساكين وذوي الاحتياجات الخاصة.. وقد عرف عن “علي عثمان” في سنوات حكمه اهتمامه البالغ بالشرائح الاجتماعية الضعيفة.. وكان يعقد الاجتماعات المطولة في القصر والوزارات لمتابعة الأداء في صندوق الإسكان الشعبي والتأمين الصحي.. وكثراً ما أفسح للقضايا الاجتماعية من وقته، يطوف في ليالي رمضان على الفقراء والمساكين في الأطراف النائية ويمسح دموع الحزانى، والذين قهرهم الفقر وأقعدهم العوز.. وربما لاهتمامات “علي عثمان” بالشرائح الضعيفة أسباب ذاتية، فالرجل والده من عامة الناس وأسرته متوسطة الحال، ذاق مرارة الحاجة في سنوات طفولته، لذلك يشعر كثيراً بآهات الجوعى والفقراء والمساكين.. في الوقت الذي يحرص فيه السياسيون على الخطب الحماسية والجماهيرية، فإن “علي عثمان” كان قريباً جداً من فئات اجتماعية عديدة بما في ذلك أصحاب الحاجات الخاصة.
ولم يتفق السودانيون على نزاهة سياسي وبياض سيرته وعفة لسانه مثلما اتفقوا أن الرجل وأسرته لم تتبدل أوضاعهم ولم يستفيدوا من ظل الدولة وإمكانياتها، حتى موظفي مكتبه كان يراقب سلوكهم الشخصي، فخرجوا من القصر فقراء لا يملكون شيئاً.
لكن العودة للقطاع الاجتماعي وخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة لا تعني مغادرة المسرح نهائياً، بل هي مؤشر لزهد الرجل في الجهاز التنفيذي لأنه قرأ الساحة جيداً.. وأيقن أن مصلحة البلاد في بقاء الرئيس “البشير” في السلطة لدورتين قادمتين أو على الأقل بنهاية الدورة الحالية، لتنتقل السلطة في هدوء ودون ضوضاء لشخصية عسكرية، الفريق “بكري حسن صالح”، الذي يحظى بثقة المؤسسة العسكرية واحترام قيادات حزب المؤتمر الوطني، وهو شخصية نادرة يشبه السودانيين تماماً، لذلك هو أكثر قيادات الدولة حالياً تأهيلاً لخلافة “البشير”، ولا عجب أن أعلن “علي عثمان” موقفه، لكن العجب انه اختار رمي حجر كبير في بركة صغيرة فأثار موجة تساؤلات وبات حديث الساعة، والساسة الأفذاذ إذا صمتوا تحدث الناس عن صمتهم وإذا تحدثوا أثار حديثهم الساحة، ومشى بما يقولون الركبان.. يبقى “علي عثمان” قيادة أدت دورها وانصرفت بهدوء لفضاء الحياة الاجتماعية، مثله وحكام الفرنجة الذين لا يتشبثون بكراسي الحكم.
{ استفتاء دارفور واستسهال الصعب
بعد إعلان الرئيس “عمر البشير” الأسبوع قبل الماضي عن التزام الحكومة بإجراء استفتاء دارفور خلال الصيف القادم، نهض الناهضون ممن يدعون حرصاً على النظام وحباً للوطن وولاءً للمؤتمر الوطني من قبة البرلمان الذي يفترض فيه الوعي بالأسباب التي جعلت الرئيس “البشير” يعلن على الملأ إجراء الاستفتاء وفي خطاب مكتوب للبرلمان، وليس خطاباً مرتجلاً من قرية من قرى السودان التي كثيراً ما يزورها الرئيس ويخطب في جماهيرها بما تطلبه وتطرب له آذانها.. وقد رفع نواب من دارفور أصواتهم عالية مطالبين الرئيس بالتنصل عن اتفاق الدوحة والنكوص عن عهد أبرمه مع شركاء في الاتفاقية.. فهل مثل هؤلاء النواب جديرون بكرسي النيابة عن الشعب في برلمان؟؟ أم هي المزايدات وإظهار الولاء للنظام والرئيس؟ خاصة وأن واحداً من هؤلاء النواب قد فاز بالمقعد بعد أن تنازل له المؤتمر الوطني، وحرض منسوبيه للتصويت لرئيس حزب آخر مكافأة له لمواقفه الداعمة لسياسات المؤتمر الوطني، وتفضلاً منه على شركائه حتى يدخلوا البرلمان بعرق ومال وجهد الوطني لا بسواعدهم هم.. ومثل هؤلاء النواب ولاؤهم لحزب المؤتمر الوطني أكبر من ولائهم للأحزاب التي ينتمون إليها، وكذلك في محاولة لإظهار أنفسهم بأنهم (يردون) الفضل لأصحابه خرجوا على الرأي العام بمطالب إلغاء استفتاء دارفور وتحريض الحكومة على (التمادي في نقض المواثيق والعهود) كما قال مولانا “أبيل ألير” في كتابه الذي نعى فيه وحدة السودان قبل اتفاق “نيفاشا”.. ولو علم النواب المحترمون خسائر الوطني المرتقبة إذا أصغى لما يقولونه، لسكتوا عن دعاوى إلغاء الاستفتاء.. وفي ذات الوقت بدأ القلق يساور بعض الحادبين على وحدة ما تبقى من السودان، بأن استفتاء دارفور قد يفتح جرحاً جديداً في جسد تكاثرت قروحه وتعددت آلامه وأوجاعه.. وبعض الناس تذهب به الظنون لجهله بما هو قادم من استفتاء، بأن إجراء (العملية) قد يؤدي لفصل إقليم دارفور عن السودان، وكثيراً ما أصبح الإنسان ضحية لجهله بنصوص الاتفاقيات والدساتير والقوانين خاصة إذا كانت اتفاقية مثل “الدوحة” لم تجد حتى اليوم من يشرح بنودها للرأي العام السوداني.. ولم تخضع للتشريح والنقد والتصويت.. وكثيراً ما تعدّ الحكومة أي نقد موجه للاتفاقيات التي توقعها نقداً لذاتها المصونة، وتقليلاً من شأنها، ولا يقبل على ذلك إلا من كان في نفسه شيء من المعارضة وتربص بالنظام الحاكم متمنياً زواله أو متحرفاً لفئة.. لذلك يجهل حتى السادة النواب في البرلمان نصوص اتفاقية “الدوحة” و(يخيل) للبعض منهم أن أي استفتاء بالضرورة يكون بين خياري الوحدة أو الانفصال، وما دري هؤلاء أن استفتاء دارفور المنصوص عليه في اتفاقية “الدوحة” لا تستطيع حكومة السودان النكوص عنه والتنكر لبنوده، إلا إن قررت إلغاء الاتفاقية من طرفها وتحمّل تبعات ذلك الأخلاقية وكلفتها السياسية مع أهل دارفور قبل الشركاء والوسطاء الذين أنفقوا من المال ما أنفقوا من أجل ما عليه دارفور اليوم من استقرار معقول جداً، حيث أصبح الإقليم أفضل حالاً من كل السنوات الماضية منذ اندلاع الحرب في العام 2003م.. واستفتاء دارفور هو إجراء دستوري لا يترتب عليه ما ترتب على استفتاء الجنوب الذي جعل من جوبا عاصمة لدولة جديدة، وهو استفتاء إداري لسؤال المواطنين أيها أقرب إليكم الحكم اللا مركزي بولايات خمس كما هو الحال الآن، أم العودة لنظام الإقليم الواحد بعاصمة واحدة وحاكم واحد مثلما كان قبل عام 1994م حينما قسم السودان لولايات بلغت (25) ولاية بدلاً عن أقاليم.. وكانت دارفور إقليماً واحداً يحكم من الفاشر، لكنها أصبحت اليوم خمس ولايات.. فهل يقف المواطنون مع خيار العودة للإقليم الواحد نزولاً عند رغبات بعض الحركات المسلحة التي تساند ذلك بما فيها حركة التحرير والعدالة الطرف الآخر من معادلة اتفاقية الدوحة؟؟
والاستفتاء لا تترتب عليه أوضاع سياسية جديدة.. فإذا اختار (51%) من المواطنين الذين تم استفتاؤهم العودة للإقليم الواحد يتم تعديل دستوري لا يملك البرلمان القومي إلا الإذعان ويؤطر لعودة الإقليم الواحد وإلغاء الولايات القائمة الآن وتسريح حكوماتها ومجالسها التشريعية وإلغاء المحليات، ومن ثم تأسيس نظام حكم إقليمي جديد يجعل من دارفور (متمايزة) على بقية السودان.. وقد ارتفعت أصوات من قبل تدعو إلى (تقليص) الولايات الحالية والعودة لنظام الأقاليم السابق في سياق الحديث عن خفض الإنفاق وإصلاح شأن الحكم في الدولة.. بيد أن الأغلبية رفضت التراجع عن النظام الحالي.
وثمة مخاوف من أن يبعث استفتاء دارفور (الصراع العرقي) الذي شهدته دارفور بعد اندلاع الحرب و(تصطف) مكونات الإقليم ما بين مجموعات زنجية أفريقية تطالب بوحدة الإقليم ومجموعة عربية تتمسك بالوضعية الحالية، وكل من تلك المجموعات تدفعه لموقفه المعلن مكاسب مرتجاة أو (تحققت) الآن.. لكن الأحزاب السياسية من شأنها تخفيف حدة التنافس (العرقي) الصامت خاصة الأحزاب الصامتة الآن كالاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة القومي وكلاهما لهما رصيد في بنك جماهير دارفور.. لكن المؤتمر الوطني بطبيعة الحال يستطيع كسب المعركة لمصلحته نظراً لقاعدته العريضة وسط المجموعات العرقية المتباينة، التي يجمعها المؤتمر الوطني وتفرقها المصالح.
ولا تملك أحزاب المعارضة رؤية حول الاستفتاء حتى الآن، كما أن هناك أسئلة ينبغي أن تُطرح قبل وضع مسودة قانون استفتاء دارفور.. هل بالضرورة أن تنشأ مفوضية خاصة باستفتاء دارفور؟؟ أم أن الهيئة العامة للانتخابات تستطيع القيام بهذه المهمة؟؟ وهل بالضرورة إجراء إحصاء وتسجيل جديد للناخبين الراغبين في المشاركة بالاستفتاء؟ أم أن السجل الانتخابي الحالي (يكفي) مع فتح السجل حتى يستطيع سكان المعسكرات الذين رفضوا التسجيل من قبل المشاركة في الاستفتاء القادم؟؟ وكيف يتم استفتاء اللاجئين الموجودين في بعض البلدان الأفريقية؟؟ ثم السؤال: المجموعات التي تحمل السلاح إذا لم تشترك في الاستفتاء.. هل تعترف بنتائجه؟؟ وهل بالضرورة أن يحظي الاستفتاء باعتراف كل حاملي السلاح؟؟ هي أسئلة تبحث عن إجابات قبل أن يذهب قانون استفتاء دارفور من مجلس الوزراء لقبة البرلمان.
المجهر السياسي
كل المصائب التى حلت على السودان من تحت رأسك ، مهندس بنفاشا الفاشل الذي خرج منها بخفي حنين رغم إنه كان ممكن يحقق منها أي شئ على باله ” إعفاء الديون، ترسيم الحدود، حذف إسم السودان من الدول الراعية للإرهاب ، إعفاء الديون ، الحصول على مساعدات مالية ضخمة من العرب وامريكا، رفع الحظر الإقتصادي المفروض على السودان ، الحصول على نسبة ثابتة من بترول الجنوب، الحصول على إعانات سنوية من الدول الداعمة لإنفصال الجنوب، تفكيك الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية قطاع الشمال ….. وكل هذا كان ممكن جدا وإلا لن نوافق على توقيع الإتقافية إطلاقاً …. وكان ساعتها الأمريكان والغرب سيفعلون كل شئ لأنهم يريدون فصل الجنوب بأي ثمن ,, ولكن تم التوقيع وتفاقم الوضع سوءاً ولم نربح من ينفاشا إلا مزيد من الحروب والقتل والتشريد وعدم الإستقرار لغاية الآن وهو المسؤول عن كل هذا ….