لبنى عثمان

تعريف الوجع

* رحلت الطيور في مغيب الشمس عن الأوطان.. تركت أوكار الدفء للعناكب تملأ الجدران.. هانت عليها الرفقة والذي كان.. في لمحة بصر صدت وغيرت العنوان..
* استيقظت حين اكتشفت أني في الحكاية وحدي.. وفي الحلم وحدي.. وفي الوجع وحدي..
* تألمت حين لمحت أجمل سنوات عمري تصعد قطار العمر وتلوح لي مودعة..
حينها اكتشفت أن قلبي يهفو بحب بحجم الدنيا.. وأحسست بسكاكين الحنين تبحر بي.. في المسارات وتقذفني ألماً وحنيناً..
هذا الحنين الذي يفتت الروح.. كيف يمكن التخلص منه وقد تنفس في الضلوع وافترس أحشاء الصبر..
* كيف والحروف حين تستعصي يصبح للبوح طعم الصمت..
أن تتنفس الكلمات.. أن يبرق في داخلك ألف سؤال.. بغتة يحيلك إلى شيء آخر..
غير أنك بشر تصارع اللحظة التي تتمنى أن تحتويك فرحاً.. فإذا بها تنجلي عن تعب..
* نحبهم.. نتشبثُ بهم حد الذوبان فيهم.. نصير روحاً ووجداناً ولحظةً معهم.. نصير هم..
يصيرون نحن في تمازج نادر يوحي لك بأن هذا النفس الطالع من صدر الشوق واحد..
وأن هذه الخلجات تنبت في قلب واحد.. وأن الكون واحد لا يتجزأ.. وفجأة!!.. يصيرون هم.. ونصير نحن.. أفعال وضمائر لا محل لها من الإعراب.. ولها نصيب شاسع من العذاب.. يكمن بين جوانحنا.. مثل سيل هادر أو برد غادر.. يأتيك على حين غرة.. فتتجمد أطرافك..
تبحث عن دفء.. لا شيء مطلقا سوى البرد..
نحاول رتق متسع من ضياء.. فإذا به يتسع..
ما أبشع جرح الروح.. يأكلك من الداخل كمن يفتك بفريسته بلا هوادة.. بلا قلب.. بلا رحمة.. بلا وفاء لحب.. أو لفرح.. أو للحظة ود.. تتخلل أوصالك فتستكين في القلب..
* ليس من تعريف للوجع.. سوى أنه بعض جوع وبعض ضلوع.. تئن من عوج.. وبعض صبر.. وبعض انزياح عن حالة.. لتصبح أشد إيلاما..
تالله كيف لهذه القلوب أن تحتمل..!! وإلى متى تظل هذه السياط تلهب أرواحاً كثيرة بوجعها.. بلهيب نارها التي لا تهدأ.. بجنونها.. بمجونها.. بخروجها عن المألوف.. باندياحاتها الضاربة في عمق الأنا.. مفرطة في الألم.. في الوجع.. في الموت..
إلى متى تتحمل قلوبنا؟.. ومتى ينجلي وجعها؟..
عبارة قالتها قلوب وألفتها دروب.. وعاشتها انبعاثات شوق لحظة احتياج.. لا أكثر..
حيــــرة موجعة
اعتدت في طفولتي حين يشتد بي الحزن أن ألجأ إلى دفتري وقلمي وأُفرغ جميع ألمي.. حُزني.. وجعي وسكوني.. وأظل أنتظر وصول (أبي).. لأتلوها عليه..
يبتسم.. يأخذني في حضنه.. يذهب الحزن.. وينطفئ الألم.. ويهدأ السكون.. ويسكن الوجع..
بالأمس اشتد حُزني ففعلتها.. ما زال القلم والدفتر موجودين..
فالجماد لا يغادر سريعاً.. لكن الأرواح الحبيبة غادرت.!!