بدون خطوط حمراء .. علي عثمان يخرج من صمته ويدلي بالمثير ..الحركة الإسلامية ستبقى مطلوبة ورؤية متجددة إلى قيام الساعة
الخلاف والانقسامات أصبحا سمة بارزة في مسيرة الحركة الإسلامية، التسابق للظفر بالسلطة وإغراءات الحكم أصابت الحركة بكثير من الأدواء حسبما يرى المراقبون، ويبقى السؤال هل مازال لها ديناميكية الاستمرار؟ ما هو النقد الذي يمكن ان يوجه لممارستها السياسة باسم حزب المؤتمر الوطني؟ وأين أصابت في الحكم والدعوة؟ وأين اخفقت؟ وهل كانت قيادتها بمستوى تحديات البلاد ومشروعا الدعوي؟ بهذه العناوين الكبيرة جلسنا الى الأمين العام الأسبق للحركة الإسلامية وأحد الذين لهم اسهما وافر في تأسيسها ومن قلائل الذين يحتفظون بشفراتها وخباياه وأسرارها النادرة من مراحل تأسيسها الاولى والى كلمة “الوطن الغالي” التي أوصلتها الى السلطة وحتى هذه اللحظة، انه الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول الأسبق لرئيس الجمهورية الذي قدم إفادات وإجابات أكثر صراحة ودقة.
كيف يمكننا التعرف على كيان الحركة الإسلامية في ظل تعريفات متشعبة؟
الحركة الإسلامية يمكن النظر إليها من زاويتين، من زاوية انها فكرة ورمز لمشروع ومن زاوية أنها بناء وتنظيم وأفراد.. من حيث الفكرة هي لكل مسلم صادق يقيم أمر الدين كاملاً في نفسه وفي مجتمعه وفي علاقاته الإنسانية امتثالاً لقوله تعالى: “قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين” صدق الله العظيم. ومن حيث الأفراد تعني الذين قاموا بتنظيم أنفسهم في كيان اسمه الحركة الاسلامية، لأجل تحقيق فكرة.
وأين موقع الفرد في إطار هذه الفكرة؟ وكيف لها أن تتجسد فيه؟
الفكرة تعني أن يستقيم ضمير الإنسان وسلوكه في المعاملات وسلوكه المجتمعي وعلاقاته الداخلية والخارجية مع سلوك وشعائر الدين وهذا ما يسمى المفهوم الشامل الذي لا يفصل أي حركة أو سكون للإنسان في الخاطرة أو في الفعل عن مرجعية الدين وأحكامه، وهذا هو جوهر الفكرة التي بني عليها مشروع الحركة الإسلامية.
قياساً بهذه المعاني الكبيرة ثمة من يرى علامات شاخصة لفشل الحركة على أرض الواقع؟
الحركة الإسلامية في السودان تظل مفهوماً ناجعاً وصحيحاً ومطلوباً، ولا مجال للحديث عن تراجعها أو فشلها، إلا من قبل الذين يرون أن قضية الدين كلها ينبغي أن تخرج من دائرة الضوء في الحياة الإنسانية وتنظيم الحياة العامة وهذه جدلية قديمة بين العلمانية والحركة الإسلامية ستبقى فكرة مطلوبة ورؤية متجددة الى قيام الساعة.
لكن الحركة من حيث الأفراد والتنظيم ربما كانت بحاجة الى مراجعات ونقد مستمر؟
هذا هو موضع النظر والمراجعة لأن الحركة من حيث الأفراد والتنظيم هي ممارسة وأفعال بشرية والافراد يصيبون ويخطئون يطولون ويقصرون ومن ثم يظل المجال مفتوحاً على مستوى تقويم الافراد وتقييم التنظيم من حيث فاعليته ومناسبته للظروف والمتغيرات المتجددة وهذه كلها مسائل قابلة للتقويم المرحلي ويمكن ان يتباين الناس أو يختلفوا في الحكم عليها أو لا يختلفوا.
الحركة الإسلامية ليست وحدها التي تحمل خطاباً ومشروعاً دينياً في البلاد ولكن واقع الممارسة قد يشير الى أنها تسعى لإقصاء أو أزاحه الآخرين؟
الحركة الإسلامية ليست في حالة عداء أو أقصاء لأي طرح إسلامي آخر ما لم يكن هذا الطرح حسب رؤيتها يخالف أصول الدين وقواعده الثابتة واحكامه القطعية، ثم أنها لها دستور قد وضح هذه المعاني بشكل جلي، حيث نص وأشار بوضوح الى أن الحركة الاسلامية هي جماعة من المسلمين وليست كل جماعة مسلمة وهي اذا لا تدعي وصاية على الآخرين ولا تقول ان من ليس عضواً فيها لا يملك صفة أن يتحدث عن الاسلام أو أن يكون له رأي، وانما هي جماعة من المسلمين تسعى لاقامة أمر الدين وفق وسائل وأدوات واجتهادات فقهية وفكرية وتتناصر في ذلك مع بقية مكونات المجتمع والامة الاسلامية مثل محور تناصرها مع اهل القبلة، ومع الجماعات الاسلامية في الداخل والخارج حسب المجالات التي يتناسب فيها هذا التناصر والتعاضد.
ما الذي ترى أنه يميز بين الحركة الاسلامية في ظل حاضرها؟
مسيرة الحركة الإسلامية حافلة بمراحل تأثرت بعوامل داخلية من حيث نموها ومن حيث نضج أفرادها، وتنوع ادوات تعبيرها عن هذه الفكرة ومن حيث تفاعلها مع التيارات الأخرى في المجتمع أو في محيطها الإقليمي والدولي هذه كلها عوامل جعلت الحركة الاسلامية تستنبط ما يسمى فقه المعاصرة وهي محاولة الاجتهاد في فهم النصوص، في الكتاب والسنة وصلاحيتهما لكل زمان ومكان وكيف يمكن أن تنزل على الواقع الذي تعيشه الحركة في مجتمعها وفي واقعها اليومي فكانت لها اجتهادات كثيرة هي التي تفسر سر نجاحها في استقطاب قطاعات كثيرة من الشباب والمثقفين من اوساط المجتمع المختلفة، وأعانها في ذلك استلهامها للتاريخ وقراءتها لماضي الأمة الإسلامية، لم يكبلها من أن تنظر بمرونة لضرورة أن تجتهد أن تقدم رؤيتها لما يقع من احداث، وهي لم تنقطع عن ماضيها ولم تنغلق فيه ولا تعكف على الماضي وتقدس كل ما وقع من محاولات واجتهادات وإجابات فقهية شرعية وغيرها وفي ذات الوقت لا تستخف بها ولا تنقطع عنها وانما تحاول أن توظفها مربوطة باركان الدين الاساسية، وهذه السمة هي من مشتركات الحركة الاسلامية مع الحركات الاسلامية المعاصرة.
ثم انتقلتم بالدعوة إلى ميدان السياسة والحكم؟
في اطار تأكيد نظرتها الشاملة، دخلت الحركة الاسلامية معترك السياسة ومعترك الحكم والإدارة ودخلت أيضاً معترك العمل الدعوي والاجتماعي وساهمت أيضاً في النشاط الاقتصادي والنشاط التعليمي والنشاط الإعلامي دون إهمال أو تجاوز.
أين أصابت الحركة الإسلامية في هذه المناشط التي طرقتها؟
أصابت من حيث أنها نبهت وأقامت النموذج أن الفكر الاسلامي الحديث هو الفكر القادر على أن يقود كل هذه المجالات ويقول فيها بكلمة ويحاول أن يقدم فيها نموذجاً وبعض هذه النماذج لم يكن لها سوابق ولا أمثلة لا في خارج السودان او داخله وكلنا يعلم أن الحركة الاسلامية هي التي قدمت فكرة النشاط الاقتصادي الاسلامي واقامة المصارف اللاربوية المصارف الاسلامية، وهي التي حاولت أن تقدم مقولة ان الفنون والآداب يمكن ان تكون خادمة للقيم الاسلامية ومن ثم لا اعتراض على الفنون لذاتها وانما للمضامين التي تحملها ويمكن أن يكون هناك مسرح اسلامي ويمكن أن يكون هناك غناء وتطريب اسلامي هذه كلها اجتهادات نجحت الحركة الاسلامية في ان توسع بها رئة المسلم المعاصر لتغذية وجدانه بشتى المعينات والمحفزات التي تجعله يتكامل ولا يتمزق أو يتناقض وهذا مما أصابت فيه الحركة الاسلامية، ولكن في كل هذه المجالات طبعاً يمكن للناس أن يستدركوا عليها وربما اختلفوا معها في تفاصيل هذه الرؤى، بل الحركة الاسلامية ذاتها تنتقد نفسها في انها لم تبلغ الغاية في أي من هذه المجالات.
وأين أخطأت الحركة الإسلامية في المجالات التي طرقتها؟
على المستوى النظري، يصعب ان نقول ان هناك خطأ فقهياً من حيث مرجعية الأصول وقد تكون هناك اخطاء في المواقف السياسية أو ممارسات الأفراد . الحركة الاسلامية كانت تركز على التزكية واعداد الافراد وحينما وضعوا امام تحديات أكبر سواء في مرحلة البناء الاجتماعي الأوسع وما يسمى في مرحلة نشر الدعة وتوسيع دائرتها، ام في مرحلة السلطة والدولة، نجحت في اعداد وأخفقت اعداد، اما لأنهم اصلاً لم يكونوا يملكون المعرفة والدراية الكاملة بما كلفوا او لأنهم بالضعف البشري قد وقعت منهم اخطاء في الممارسة وفي تنفيذ المهام التي أوكلت اليهم وهذه من المسائل التي تحتاج الى مراجعة مستمرة بحيث يمكن ان يكون الفرد المناسب المؤهل في الموقع المناسب الذي يمكن أن يكون له فيه عطاء، وهذه مسألة فيها الآن حركة نقد ومراجعة.
صحيفة السوداني
الله قوم لف بلاء يخمكم