زهير السراج

تسونامى السودان !!

* لم أستغرب صمت الجهات الرسمية على اتهامات الدكتور محمد صديق محمد المدير السابق لهيئة الطاقة الذرية خلال ندوة عن (رفع الوعى بالمخاطر الكيمائية) بالسماح لدولة آسيوية كبرى بإدخال 60 حاوية مواد خطرة الى السودان أثناء تشييد سد مروى ودفن محتويات 40 حاوية منها قرب السد ورمى محتويات 20 فى العراء مما يهدد الصحة العامة وأورواح الناس ويرقى الى جريمة القتل مع سبق الاصرار والترصد !!
* ولكنني على الاقل توقعت أن تبادر وزارة العدل، ولو من باب ذر الرماد فى العيون، الى فتح تحقيق حول تلك التهم الخطيرة ونشر الحقائق على الرأى العام وتقديم المتهمين الى العدالة بأسرع فرصة ممكنة، بالإضافة الى قيام الجهات الأخرى ذات الاختصاص مثل وزارة الصحة ..إلخ، بفتح تحقيق علمى بغرض فهم طبيعة المشكلة بشكل أفضل ومحاصرتها وحماية الصحة العامة وارواح الناس وتقديم النصح، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، بل كان الصمت المطبق هو خيار الجميع وكأن هذه المواد السامة أدخلت ودفنت فى بلد غير السودان، وأن من يعانى هو شعب غير شعب السودان !!
* ولكن ليس ذلك بغريب، فمتى كان المسؤولون فى هذه الدولة حريصين على صحة وحياة المواطنين، فهولاء لا يهمهم إلا حماية الكراسى التى يجلسون عليها والترف الذى يعيشون فيه والنعيم الذى يرفل فيه أبناؤهم .. أما الشعب فليذهب الى الجحيم !!
* وليت الكراسى التى يجلسون عليها ويعملون كل ما وسعهم من جهد لحمايتها مع الثروات الضخمة التى يكتنزونها، حازوا عليها باختيار ورضاء الناس، ولكنهم إغتصبوها بالقوة، ويحمونها بالقوة .. ولكن متى وأين كانت القوة تحمى كرسيا أو تحافظ على مال؟! قد تفعل ذلك بعض الوقت ولكن ليس كل الوقت، وإلا لكان كل الذين إستخدموا القوة لاغتصاب وحماية الكراسى والثروات على مدار التاريخ وفى كل انحاء الدنيا .. خالدين مخلدين جالسين على كراسيهم الوثيرة وغارقين فى الثروات ومحاطين بالجند المدججين الذين يحمونهم من بطش الناس الى هذا اليوم .. وإن عَجِز الناس عن استرداد حقوقهم اليوم، فلن يصعب عليهم استردادها غدا .. وفى التاريخ الكثير من الدروس والعبر، فكم من شعوب صبرت وصمتت وآثرت الحكمة أملا فى تحقق الإصلاح، ولكن عندما تبين لها استحالة ذلك عن طريق الصبر والحكمة، لم تجد غير الغضب والثروة لانتزاع الحقوق وتحقيق الاصلاح المنشود !!
* من يظن أن جريمة دفن النفايات والمواد السامة الخطرة فى الأرض السودانية وتهديد حياة الناس وارواحهم والبيئة التى يعيشون فيها، وغيرها من الجرائم ستمر بدون محاسبة، أو يسخر من الذين يطالبون بفتح ملفات التحقيق ومحاسبة المتورطين فيها، فهو مسكين وواهم وغارق فى الوهم !!
* قد يبدو الشعب السودانى طيباً وصبوراً، بل وخانعاً اليوم فى نظر البعض، ولكنه شعب معلم، شعب بطل، يعرف متى يصمت ويصبر ويتحمل أكبر قدر من الأذى .. ومتى يثور ويسترجع حقوقه، ولقد فعلها مرتين ولن يعجز عن الثالثة .. وما الهدوء الغريب الذى يلف أجواء السودان اليوم، إلا ذلك الذى يسبق العاصفة !!
الجريدة

تعليق واحد