يوسف عبد المنان

تجربة دولة


تعيش العواصم العربية والعالمية والأفريقية حالة توتر وحذر أمني جراء الهجمات التي تقوم بها حركة داعش الإرهابية خاصة بعد أحداث “مالي” و”الكاميرون”، وقد اختارت داعش الأرض الأفريقية لتريق دماء الأبرياء وهي سلوكيات تخصم كثيراً من الإسلام وتضعه في دائرة الاتهامات، والعاصمة الأثيوبية “أديس أبابا” والتي تعتبر من أكثر عواصم الدنيا أمناً وجمالاً وهدوءاً ورقة وعذوبة وتطوراً هائلاً في السنوات الأخيرة، تشهد هذه الأيام حالة حذر ومراقبة شديدة للمطارات وتأمين الفنادق تحسباً لما يمكن أن يحدث في ظل النشاط الإرهابي المتنامي و”أديس” هي مدينة السياحة في فصل الشتاء حيث يتوافد إليها الأوربيون بحثاً عن الدفيء ويمكن أن تتعرض لاستهداف من قبل الإرهابيين لذلك رفعت حذرها دون إفراط في مظهر القوة في الشوارع.
العاصمة الأثيوبية تمثل نموذجاً لدولة ناجحة وناهضة وقد تبدل مظهر العاصمة من عام لآخر وقد بدأت “أديس أبابا” تنافس عواصم العالم الغربي من حيث حداثة العمران ونظافة الطرق وجمالها ومترو الأنفاق والقاطرات التي تجوب أطرافها.
المدينة التي يقطنها أكثر من خمسة عشر مليون نسمة ولكن بلدية المدينة قادرة على النظافة والنظام ونحن عاصمتنا “الخرطوم” التي قيل قديماً إنها تقرأ ما تكتبه “القاهرة” وتطبعه “بيروت” ولكن يبدو أنها تقرأ ولا تستفيد مما تقرأ، “الخرطوم” واحدة من أقذر المدن في أفريقيا، فوضى في الأسواق، والشوارع متربة يعلوها الغبار ولا نظام، ومن يزور “الخرطوم” لأول مرة يظن أن حرباً تدور في وسطها للوجود العسكري الكثيف في الشوارع رغم أنها آمنه ويأسى الإنسان كثيراً حينما يعلم أن نهضة الدولة الأثيوبية الحديثة قد ساهمت في التخطيط الاقتصادي الإستراتيجي لها عقول سودانية مستنيرة، مثلما استفادت دول الخليج العربي في السبعينيات من العقول السودانية المهاجرة، اليوم تساهم ذات العقول في نهضة “أثيوبيا” التي سوف تصبح بعد سنوات دولة عملاقة في أفريقيا، واستفاد الراحل “مليس زناوي” من مخطط اقتصادي في الأمم المتحدة هو الدكتور “عبد الله حمدوك” الخبير الأممي في وضع خطة ومنهج للنهوض بـ”أثيوبيا” وأصبح “حمدوك” مستشاراً لـ”زناوي” حتى تم تصميم مشروع نهضة أثيوبيا، تلك هي شهادة “د. التجاني سيسي” صديقه وزميله في الأمم المتحدة، وقد رشح “السيسي” لحكومة السودان ابن هذا البلد “حمدوك” للاستفادة من خبراته وعلمه وعلاقاته الدولية لتولي وزارة التخطيط والتعاون الدولي، ولكن متى تتصالح حكومتنا مع النخب والعقول التي لا تتسع لها قوالب التنظيمات الضيقة وأمثال “عبد الله حمدوك” لم يقتلوا أحداً ولم ينخرطوا في التمرد أو المعارضة المسلحة أو السياسية، ولكن لهم رؤية وفكراً ثاقباً ولا يتزلفون من أجل فتات السلطة.
وشروط التنمية والنهضة كما حدث في “أثيوبيا” كمثال، تتطلب الاستقرار السياسي ووقف الحرب من خلال رؤية ثاقبة، وحينما فقدت “أثيوبيا” ربع أراضي الدولة القديمة باستقلال “أريتريا” عنها، فكرت ودبرت في مستقبل ما تبقى من الدولة الأثيوبية فقررت أن تضع دستوراً يمنح الأقاليم حكماً ذاتياً وقدراً من الاستقلال عن المركز من أجل أن تتماسك الدولة طوعاً واختياراً واحترام التنوع والتعدد لذلك نهضت أثيوبيا وبقينا نحن نتجادل في ما لا ينفع وخوض حروب مهلكة ونتحاور عبر مناهج عقيمة، ولا نخطط لمستقبل دولة مؤهلة لبلوغ الثريا لكنها تختار بنفسها أن تبقى قعيدة على الأرض يتجادل نخبها حول الدجاجة والبيضة ولا تزال بعض أحزابنا يحملون السلاح ويعتقدون أنه يحقق الغايات ويبلغ بالوطن مرافيء التقدم والنماء، ولا نستفيد من تجارب الآخرين ولا تجاربنا نحن.


تعليق واحد

  1. مقال ممتاز جدا ومعبر عن الواقع المر الذي يعيشه السودان ….. عزيزي مشكلة السودان تتمثل في اقصاء الآخر ، هذا الآخر قد يكون من الشمال نفسه مادام أنه لا يتوافق فكره مع المجموعة الحاكمة يتم اقصائه مهما امتلك من خبرات … السودان يزخر بالكثير من الكفاءات ولكن قدره أن يحكم بمجموعة من السماسرة لا هم لهم سوى أن يملؤا جيوبهم مهما كانت النتائج كارثية على السودان … السودان يحتاج لشخص يحكمه بقوة القانون وليس بقانون القوة … السودان يحتاج لشخص تتساوى عنده كافة مكونات المجتمع السوداني ، شماله وجنوبه شرقه وغربه ….. السودان يحتاج أن ينسى كل مرارات ما بعد الاستقلال …. السودان يحتاج تكاتف الجميع …. حينها سيستفيد السودان من أبناءه سواء كانوا بالداخل أو الخارج .