أول امتحان للمهندس “إبراهيم محمود”
{ استمعت أمس مع بعض رؤساء التحرير إلى تنوير مطول حول مفاوضات “أديس أبابا” قدمه الباشمهندس “إبراهيم محمود” مساعد الرئيس نائب رئيس المؤتمر الوطني رئيس وفد الحكومة لمفاوضات المنطقتين.
{ للحقيقة.. هي أول مرة أستمع في عرض ضافٍ إلى نائب رئيس الحزب الجديد الذي خلف بروفيسور “غندور”.
{ صحيح أنني قابلته عدة مرات، وقد زارني مشكوراً مأجوراً في المنزل بعد عودتي من رحلة العلاج بالخارج بصحبة الأخ الوزير “ياسر يوسف”، لكنني لم أتبين ملامح قدرات الرجل السياسية، طيلة الفترة الماضية إلا نهار أمس، وقد أطلقت سؤالاً في هذه المساحة غداة تعيينه مساعداً للرئيس وانتخابه لقيادة الحزب بالمكتب القيادي: (ما هي الأسباب التي دعت لاختيار محمود خلفا لغندور؟).
{ مشكلة “إبراهيم محمود” أنه جاء لرئاسة الحزب بعد رجلين من العيار الثقيل، شكلا حضوراً سياسياً طاغياً خلال السنوات الماضية وما يزالان، وهما دكتور “نافع علي نافع” بخلفياته الأكاديمية والأمنية والسياسية، وبروفيسور “غندور” بسمعته الأكاديمية وصيته النقابي الذي تجاوز حدود السودان إلى اتحادات نقابات أفريقيا والعالم العربي.
{ لكن يبدو أن الرجل القادم من الشرق (المهمش) زول ما هين، وإن تمثل للناس بمظهر الموظفين التكنوقراط الذين لا يعرفون (النهرة) والشدة المطلوبة في بعض الأحيان لقيادي في حزب كبير ودولة تمور بالمشكلات والصراع السياسي حتى داخل الحزب الواحد.
{ يحتاج “إبراهيم” إلى المزيد من الحسم والحزم وبسط سلطاته لإحكام قبضته على حزب عضويته بالملايين، فلا يكفي أن يكون قادراً على الاستيعاب والتحليل، فرجال (نيفاشا) يعدّهم البعض الأكثر قدرة على الحوار والكلام والتحليل، لكن غالبهم لا يقوى على الإدارة والعمل التنفيذي والسياسي الجماهيري.
{ أحسن “إبراهيم محمود” التبرير لمواقف الحكومة من مفاوضات المنطقتين، وأفلح في تقديم عرض مقنع، وإن كانت لنا تحفظاتنا على تعجل الحكومة في الموافقة والسفر إلى “أديس” قبل التأكد من أن الجولة (العاشرة) ستكون مختلفة عن الجولات (التسع) الماضية.
{ البعض يرى أن القبول بالحوار والتفاوض وتلبية أية دعوة في أي زمان ومكان تحسب في ميزان حسنات الحكومة، غير أن كل جولة جديدة (فاشلة) تشارك فيها الحكومة- أية حكومة في العالم- تخصم في الحقيقة من رصيدها السياسي في الداخل، وتهز مكانتها الأدبية والإعلامية خارجياً.
{ عندما تردد الوكالات والفضائيات والإذاعات الدولية خبراً كالتالي: (انهارت أمس مفاوضات السلام بين حكومة السودان ومتمردي الحركة الشعبية- شمال التي رعتها وساطة الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”، وقال “ياسر عرمان” رئيس وفد الحركة إن الحكومة غير جادة في تحقيق السلام والتوصل لاتفاق، فيما أكدت الحكومة أن الحركة لم تلتزم بالاتفاق الثلاثي لتوصيل المساعدات الإنسانية للمتأثرين بالحرب في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق).. هل تكسب الحكومة أم تخسر؟!
ورغم أن الخبر المقتضب أعلاه ليس منقولاً عن وكالة أو صحيفة أو فضائية، لكنه من نسج خيالي تعبيراً عن أمر واقع، ومحاكاة لطقس هذه المفاوضات المتعثرة باستمرار، في الغالب لن تختلف صياغة الأخبار كثيراً عن ما أوردنا أعلاه عندما يعلن الوسيط “مبيكي” نهاية هذه الجولة، دون تحقيق تقدم يذكر.
{ في كل الأحوال، وبعيداً عن “أديس” و”الفشقة” و”حلايب”، نرجو أن تبذل الدولة جهوداً أكبر لمواجهة الضائقة الاقتصادية الخانقة التي تأخذ بتلابيب المواطن بالشرائح والقطاعات كافة وبلا استثناء، فمن هنا يبدأ التفاوض الحقيقي، ومن هنا تنجح الحكومة أو تفشل في مفاوضاتها الكبرى مع الشعب السوداني.