الأب يطلب المستحيل
الأب يطلب المستحيل
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عندي استفسار والدي من مواليد 1951 لا يعمل ولا يريد العمل، وليس عنده تقاعد أو معاش، نحن فقراء جداً، لا يوجد عندنا منزل، نقطن في جزء من منزل أحد المقيمين بأوروبا، سني الآن 30 وسني أخي الأكبر 33، لم نتزوج بعد، مصاريف الأهل تقع على عاتقي أنا وأخي، أي أننا لا نستطيع التوفير لشراء بقعة أرض أو منزل، والدي يملك قطعة أرض في الجبل يؤجرها لزراعة القنب الهندي أو ما يعرف بالحشيش، طلبت منه بيعها لشراء بقعة في المدينة ليتيسر لنا الزواج أنا وأخي فصرخ والدي في وجهي قال لي: لو كنت رجلاً لاشتريتها بنفسك….
مع العلم أن المصروف اليومي للعائلة على عاتقي أنا وأخي، يعني إن لم تصرف لن تأكل لن تشرب لن تلبس… مجال عملي غير متوفر بكثرة، يعني في السنة تشتغل فقط 8 أشهر على الأكثر..
إن هجرته هل أكون عاقًا له؟ ليس الانقطاع لكن الابتعاد عنه قدر الإمكان، مع العلم أني وأطلب من الله التوفيق والسداد ملتزم أما والدي فهو ملتح لكن لا يصلي الفجر إلا عند شروق الشمس يعني بعد النهوض من النوم.. وهل يحل لي الزواج غصبًا عنه؟ يعني مصروف العائلة سيقل. وهل يحل لي شراء شقة بالتقسيط الربوي؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فبداية أسأل الله تعالى أن يصلح بالك ويحسِّن حالك ويهديك للتي هي أقوم، وجواباً على سؤالك أقول لك:
أولاً: لا تندم على ما تنفق من مال على نفسك وآل بيتك؛ فذلك كله في ميزان حسناتك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم لسعد رضي الله عنه (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك) وقال عليه الصلاة والسلام (الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة) فاستعن بالله ولا تعجز واستحضر نية طيبة فيما تقوم به نحو الوالدين والإخوان، وأبشر بالخلف من الله وقد قال سبحانه وهو لا يخلف الميعاد {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} وقال جل جـلاله في الحديث القدسي: (عبدي: أنفق أنفق عليك) وقال النبي صلى الله عليه وسـلم (ما نقص مال من صدقة).
ثانياً: اعلم أن بر الوالدين واجب وعقوقهما حرام مهما كان حالهما، قرباً من الدين أم بعداً، عدلاً بين الأولاد أم ظلمًا، قياماً بالحقوق وأداء للواجبات أم تقصيراً في ذلك كله، هذا هو حكم الشرع؛ لأنه لا يجزي ولد والداً مهما فعل إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه ويعتقه كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، ولعل الله تعالى قد ابتلاك بهذا الوالد لينظر كيف تعمل؟ فعامل ربك جل جـلاله في بره والإحسان إليه وتذكر دائماً قوله تعالى {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا}
ثالثاً: لا تقل: نحن فقراء جداً!! بل قل: نحن في عافية وستر والحمد لله، وعليك أن تنظر لمن هو تحتك ممن لا يجد طعاماً يسد به رمقه أو لباساً يستر به جسده، واعلم – أخي – أن نعم الله عليك كثيرة، وقدوتك صلى الله عليه وسـلم كان يبيت الليالي طاوياً لا يجد عشاء يتقلب على فراشه من شدة الجوع، وقد قال لنا (لا تنظروا إلى من هو فوقكم، وانظروا إلى من هو أسفل منكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم)
رابعاً: إن كنت بحاجة إلى الزواج وتخشى على نفسك العنت فلا حرج عليك في أن تتزوج ولو لم يرض الوالد؛ فإن الزواج في تلك الحالة يكون أمراً واجباً لإعفاف نفسك ووقايتها من الحرام؛ فإن كان الوالد راضياً بذلك فالحمد لله، وإلا فشرط الله أسبق وقضاء الله أوثق، ولا تحسبن الزواج سيقلل من رزقك بل سيزيده، وقد قال ربنا وهو لا يخلف الميعاد {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم}
خامساً: لا يجوز لك شراء شقة بالتقسيط الربوي؛ لأن الربا شر وضرر في الدين والدنيا والآخرة وقد قال سبحانه {يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم} وفقك الله لما يحب ويرضى وختم لنا جميعاً بالحسنى، والحمد لله رب العالمين.
فضيلة الشيخ د عبد الحي يوسف
الأستاذ بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم