منصور الصويم

القيصر والسلطان


أطلق الإعلام العالمي على الرئيسيين الروسي “بوتين” والتركي “أردوغان” لقبي (القيصر) و(السلطان)، وذلك إثر الصراع العنيف الذي تشهده الدولتان منذ حادثة إسقاط طائرة السوخوي الروسية بوساطة طيران الجيش التركي نهاية الشهر الماضي؛ هذه المواجهة التي تصدى لها وسط زخم إعلامي داو الرئيسان الروسي والتركي، فلاديمر بوتين بالتهديد والوعيد وإظهار العين الحمراء، ورجب طيب أرودغان، بالتأرجح بين التحدي والاعتذار والصلابة.. ربما هي بالفعل نذر حرب عالمية ثالثة لن تبقي على شيء، وربما لن يتعدى الأمر في جانبها الانتقامي – الروسي العقوبات الاقتصادية التي بدأت بفرضها واقعا على تركيا وشددت على اتساعها مع استمرار الحرب الإعلامية لفضح الدور التركي في ما يجري في سوريا وموقفها الداعم لداعش، وهو ما ينفيه الإعلام التركي ومن يواليه.
لكن، ما يهمني في هذا المقال القصير، هو هذه العودة الإعلامية الضاجة لاستخدام لقبين إمبراطوريين يعودان إلى ما قبل تكون الدولة الحديثة في كل من روسيا وتركيا، وهي عودة محملة بالدلالات التاريخية ذات البعد التوسعي والعسكري الباطش، فروسيا القيصرية أو تركيا الخلافة، كانتا في أوانهما السابق تمثلان قوى عظمى متمددة وذات سيطرة ونفوذ على مناطق واسعة جدا سواء في الإطار الإقليمي أو خارج هذا الإطار.
العودة الإعلامية لاستخدام اللقبين المنقرضين، تحمل أيضا بين طياتها إشارات ساخرة من محاولات الرئيس الروسي بوتين لإعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي “وريث الإمبراطورية”، والارتفاع بروسيا مرة أخرى من حيز الدولة القوية المحافظة إلى موقع القطبية الذي فقدته بتفكك الاتحاد السوفيتي وصعود أمريكا وسيطرتها الأحادية على العالم، كما تسخر – الإشارات – من الدور الذي يحاول أردوغان أن يلعبه إقليميا وعالميا بإضفاء مسحة الرعاية الديني – سياسية (الخلافة) على سياسته الخارجية التي لا تخلو بدورها من طموح تاريخي مزود بالحنين إلى تركيا ما قبل أتاتورك، تركيا السلطنة التوسعية القوية والرادعة!
من جهة ثالثة، يمكن استقراء دلالات اللقبين في إطلاقهما الإعلامي الجديد، بما توحيان به من قوة صلابة وبطش – تاريخيا – تحيل بدورها إلى قدرات وإمكانيات عسكرية كاسحة لا يمكن منازلتها في الميدان الحربي إذا حدثت المواجهة مع أي قوة أخرى منافسة أو واقعة داخل دائرة الاستراتيجيات التوسعية للدولتين العظميين؛ أو الإمبراطورية الروسية الكبرى والسلطنة العثمانية المباركة!
القيصر والسلطان، يتصارعان الآن في فضاء جغرافي – بشري، شهد على مدار التاريخ صراع الإمبراطوريات العظمي، هلاك الجنود وموت الأبرياء وانهزام العظماء وموت المدنية والحضارة؛ دون أن يكون لشعوب هذه الجغرافيا أي موقع حقيقي مما يجري.
المجد للقيصر، عاش السلطان!