جفت الدموع
لا ينتابني شك بصدق الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” وهو يذرف الدموع في مؤتمر تنسيقي الحركة الإسلامية بولايته، وهو يتحدث عن تنقية النفوس وتفقد الجار الجائع وحث عضوية التنظيم على التكافل والتراحم، ففاضت دموع “عبد الرحيم” ولم تجد من يمسحها في تلك اللحظات. وينظر دوماً لدموع المسؤولين بأنها دموع للتزلف يعوزها الصدق ولكنها تتهاطل في لحظات إحساس بوخز الضمير.. غير أن مسؤولية الحاكم ليست ذرف الدموع أمام الرعية لدغدغة عواطفهم ورسم صورة عن المسؤول الباكي تكشف عن لطفه ورقة قلبه على الرعية.. ولكن مسؤولية الولاة والوزراء مسح دموع الرعية في محنتهم التي يعيشونها. كم من رجل عفيف شريف نظيف كسر كبرياءه الفقر والعوز والحاجة ودفعه للوقوف أمام الرجال حاسر الرأس يسألهم مالاً. وخبزاً.. وسكناً لإطعام أسرته وإيوائها من الحر والبرد والمطر.. وولاية الخرطوم وسكانها لا ينتظرون رؤية دموع الجنرال “عبد الرحيم” تسيل على خدوده ولكنهم كانوا يأملون ويتعشمون في الجنرال “عبد الرحيم” أن يمسح دموعهم هم، لا أن يبكي هو فوق رؤوسهم.. فإذا كان الوالي يبكي فمن يسكت الباكيات في هجعة الليل والمحزونات اللاتي قهرهن الفقر وخرجن للطرقات يبعن الشاي والقهوة (فأبكاهن) الفريق “عبد الرحيم”، بقسوة عمال محلياته الأقوياء على النساء الضعيفات ،والضعفاء في وجه المال والنفوذ.
نعم الفريق “عبد الرحيم” من المسؤولين القلائل الذين يفتحون أبواب منازلهم للناس، وحينما كان وزيراً للدفاع يهرع إليه أصحاب الحاجات.. يكتب لجهات الاختصاص لمساعدة الذين يطرقون أبوابه.. ولكنه اليوم في موقع المسؤولية الاجتماعية عن سبعة ملايين هم سكان ولاية الخرطوم، ينتظرون منه الماء والكهرباء والخبز الحاف والأمن ونظافة المدينة من الأوشاب والنفايات.. وبكل أسف وأسى وحزن.. حكومة الجنرال “عبد الرحيم” بعيدة جداً عن تطلعات الناس؟ وقد تبدل الأمل فيها إلى يأس من خير فيها.. هل طاف الجنرال “عبد الرحيم” في هجعة الليل على مواطنين يقطنون الجخيس والقرية.. سأل أسرة تفترش الأرض وتلتحف السماء عن وجبة عشائها في تلك الأمسية الشتوية.. هل طاف بأم بدة.. حتى (قبر الكلب) و(زقلونا) و(طردونا).. هي أحياء يقطنها سودانيون يسأل عنهم الفريق “عبد الرحيم” ،يوم لا تشفع له سلطة ولا رئيس.. من أسمائها تكتشف الإحساس العميق بالظلم الذي حاق بهؤلاء المواطنين، والإحساس بالظلم ليس بالضرورة أن يكون فعلياً قد وقع ظلم على هؤلاء.. ولكنهم رعايا في ذمة الوالي إذا بكى لحالهم وهو بينهم لبكى معه الآلاف.
وقيل في زمان مضى ، إن الأب “فيليب عباس غبوش” المعروف بخطاباته الدرامية الساخرة.. كان قد اعتقل من قبل سلطات مايو التي من فضائلها أنها إذا اعتقلت عزيز قومٍ احترمت فيه الإنسانية، وحينما تفرج عنه تنزله مقاماً يستحقه.. فأطلقت سراح الراحل “صمويل أرو بول” فحملته على طائرة الداكوتا حتى “واو”، ومن هناك خصصت له سيارة لاندروفر حتى “رمبيك” مسقط رأسه، فخرجت المدينة تستقبله كأنه مسؤول كبير زائر البلد.. أما “فيليب عباس غبوش” فقد ذكر لضابط السجن أن أسرته في مدينة “الدلنج” ويرغب في الذهاب إليها للتحية والمجاملة.. ضباط جهاز الأمن المايوي توجسوا خوفاً من طواف “فيليب عباس غبوش” على الجبال وتحريضه للنوبة.. فطلب “غبوش” أن يسمح له بجمع المواطنين في ساحة عامة وإلقاء التحية عليهم فقط.. وينصرف.. وافقت مايو الظافرة.. وتسلل النبأ لجبال النوبة وزحفت الآلاف من تندية وسلارا وكتلا وتيمين والتيس وحتى البرام. وفي اليوم الموعود فاض ميدان الحرية بالدلنج بآلاف المواطنين فأطل “غبوش” ووقف أمام الناس وقال السلام عليكم أنتم طيبين وانخرط في بكاء عميق.. ومن ورائه بكى الآلاف وانتحبوا بمرارة لا يدرون أسبابها ،إلا من فعل ذلك السياسي العجوز الماكر.
ولن يبكي سكان الخرطوم خلف الجنرال “عبد الرحيم” إلا في حال إحساسهم بصدق دموعه وفي ميدان غير الساحات المترفة، في قطاعات وسط الخرطوم.. إذا (غبر) الوالي أقدامه للأطراف، وصلى الصبح في الكباشي، وتناول شاي الصباح في عد بابكر ،تصدق دموعه.. ولكن الدموع التي تسيل عند سماع الأناشيد القديمة ،هي دموع تجففها مناديل الورق.. لا دموع تغري ،دموع الحاضرين بالهملان.
دموع التماسيح يا أستاذ هؤلاء يقتلون القتيل ويمشوا في جنازته ،،، اذا كان بكائهم خشية من الله ما ركبوا الفارهات و غالبية الشعب تعوزه كسرة الخبيز ( بل و الله القرقوش ) اذا هم بيعرفوا القرقوش و أكيد كلهم اكلوا من القرقوش قبل ان يتسيدوا علي الأمة في غفلة من الزمان ،،،