استهلاك عاطفي
# الاستهلاك العاطفي واحد من صور الاستغلال والمساومة التي يستخدمها ضدنا الأقربون، سواء أكانوا من ذوي القربى، أو ذوي الصحبة، أو ذوي الحب والأحلام والشراكة. وهذا الاستهلاك يتم أحياناً بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد يصل أحياناً لدرجة العقاب عاطفياً حتى ترضح للمطلوب وتحقق لأحدهم ما يريد، ولو عن طريق التهديد.
وهذا المساوم قطعاً يدرك أهمية العلاقة التي بينكما لديك، واعتقادك الخاطئ بأنك إن لم تلب له رغباته، فإن تلك العلاقة ستتأثر بالقدر الذي يزعجك ويؤلمك وربما يخيفك.
# أحياناً، تفقد إحداهن أعز ما تملك حرصاً على حبيبها وظناً منها أنه سيتركها إن هي تمنعت عليه وتمسكت بقيمها الأخلاقية المقدسة! والمؤسف أنه سيتركها لاحقاً لذات السبب بعد أن تكون قد لوثت ماضيها، وغامرت بمستقبلها لأجل رجل لا يستحق، ولا يلام، فهي التي قبلت الرضوخ لمساوماته وانطلت عليها حيلة الغرامية الباهتة مع سبق الإصرار والقبول.
بعض الزوجات أيضاً يقبلن بالبقاء على ذمة رجال خائنين يساوموهن على استقرارهن وقربهن من أبنائهن، فتستكين الواحدة منهن لحزنها وأوجاعها دون أي اعتراض على التصرفات التي يأتي بها زوجها وتنال من كرامتها خشية أن يطردها من ظله ويحرمها من أبنائها، ويكشف سترها الاجتماعي، ويتركها في العراء، ليلوك الناس سيرتها بمختلف الروايات دون أن ينال فخامته أي طائل، فالرجل لا يزال عندنا منزه، والمرأة مدانة بالشبهات.
# ومن أسوأ أنواع الاستهلاك العاطفي ذلك الذي ينشأ بين المرؤوس ورئيسه في العمل، فالأخير يعمد لاستغلال الأول جسدياً وذهنياً حتى يجعله أشبه ما يكون بماكينة لتكسير(الثلج)، أو آلة للقيام بمهامه بالإنابة عنه على أمل أن ينال الحظوة والرضا، لعلة ينال بعض العطاء أو يتجنب بعض الجزاء، والمؤسف أنه حالما استنفد قواه المستهلكة بفعل التملق والتودد، تتم إقالة رئيسه هذا عن العمل بدعوى الفساد الإداري ويحل مكانه آخر سيكون – حتماً – أشد من فساداً فنحن إن سرق فينا اللئيم، رفعناه درجة!!
# بعض النساء كذلك يعمدن لاستهلاك أزواجهن عاطفياً، سواء أكان ذلك بالترهيب والتنكيد أو بالحصار الإنجابي. إذ تستمر إحداهن في إنجاب الأبناء دون مراعاة لصحتها ولا لطاقة زوجها وإمكانياته، فمهما يكون العيال نعمة من الله يأتون ورزقهم في معيتهم فإن إعمال العقل في تلك المسألة مطلوب. وما وضعت قوانين تحديد النسل إلا لأن الأبناء، وإن كانوا زينة الحياة الدنيا فإنهم يشكلون ضغطاً رهيباً على أعصاب وميزانية وصحة والديهم. والمرأة العاقلة تعلم أن الإنجاب المتكرر ليس سبباً كافياً لجعل زوجها يقلع عن التفكير في أخرى أو يظل طوال النهار مشغولاً بها وبأبنائها ومستلزماتهم فحسب، لأن النتيجة قد تكون عكسية، ويدفعه ذلك الاستنزاف المادي والعاطفي، للهروب.
# إذن، هو الخوف من الخسارة، ذلك وحده ما يجعلنا نخضع لاستهلاك بعضهم العاطفي لنا واستغلاله لمشاعرنا، دون أن نعلم – وربما نعلم – أن ذلك يكون على حساب احترام الآخرين لنا واحترامنا لأنفسنا، وتمام عافيتنا، وسعادتنا، وراحة بالنا، ويا لحجم الخسائر، إذ نحصيها يوماً.
كلنا يبحث عن الثقة، والأمان، والاستقرار العاطفي، والرفاهية. ومجرد إحساسنا بأننا قد نخسر بعض ذلك يجعلنا نقبل الدخول في مزايدات تقودنا لبعض التنازلات، والذين يجيدون لعبة المساومة تلك يجعلوننا نعيش في حالة نفسية سيئة باستمرار لنظل مرهونين لرغباتهم الشخصية الدنيئة، إذ يجعلوننا نؤمن بأن المحبة والسعادة القليلة التي نحياها ليست تلقائية، ولا تتأتى دون مقابل، فهي صفقة نحن فيها الضحايا، وعلينا دائماً أن نبذل مجهوداً أكبر حتى نتمتع بهذا القدر الضئيل مما نريده، إنها لعبة الحياة، كل ما حولنا ومن حولنا يسعون لاستغلال عواطفنا واستهلاكها لشيء في نفوسهم، حتى أطفالنا سرعان ما يتحولون لطغاة صغار يفرضون علينا سطوتهم ويستدرون عطفنا بدموعهم الكاذبة فنرضخ صاغرين لطلباتهم، ونحن نعلم أننا مستنزفون.
# ويظل الذكاء أبرز سمات أولئك المستهلكين (بكسر اللام)، فبعضهم يجعلنا لا نشعر بذلك الاستهلاك إلا كضرورة حتمية يجب أن نقوم بها لأن ذلك هو الأصوب والأفضل، وأحياناً نُغيب عقولنا طائعين ولا نريد تحليل علاقاتنا بهم لأنه من المحرج لإحساسنا أن نكتشف ضعفنا وسذاجتنا الشيء الذي يجعلنا نحتاج لجمعية جديدة تعرف بـ (جمعية حماية المُستهلَك) بفتح اللام، تتصدى لما نعانيه لترفع عنا بعض ظلم الأحباب، فلا نريد لسفينة الحياة أن تسير وهي مثقوبة بفعل أنانية البعض!!
#تلويح:
صابر عليك صبراً طويل.. كاتم العلي!!