يوم وحدة الإرادة السودانية
*أرجو أن يسمح لي قراء السبت الخروج عن المألوف في هذا اليوم لأتناول مناسبة لا يمكن إغفالها ارتبطت في تأريخنا بيوم التاسع عشر من ديسمبر الذي توحدت فيه الإرادة السودانية واتفقت على إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان.
*نحتاج في هذا اليوم وفي كل يوم لتذكير الشباب بالمواقف الفاصلة في تأريخهم‘ خاصة وأنهم في أمس الحاجة لمثل هذه المواقف التي تخرجهم وتخرج السودان من المأزق والاختناقات التي تعرقل مسارهم الوطني.
*في يوم الإثنين التاسع عشر من ديسمبر١٩٥٥م اجتمع مجلس النواب السوداني في جلسة تأريخية برئاسة الزعيم الراحل المقيم إسماعيل الأزهري للبت في أمر مستقبل السودان‘ حينها تقدم نائب دائرة نيالا غرب عبدالرحمن محمد إبراهيم دبكة باقتراح لإعلان استقلال السودان من دولتي الحكم الثنائي وثنى الاقتراح نائب دائرة دار حامد غرب مشار جمعة سهل ليتم الاتفاق بين الحزبين الكبيرين الوطني الاتحادي والأمة على إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان.
*هكذا توحدت إرادة الشعب السوداني لينتقل السودان من عهد الاستعمار إلى عهد الحرية والاستقلال‘ لكن للأسف لم ينعم الشعب السوداني بثمار حريته واستقلاله حتى اليوم بسبب الانقلابات التي أضعفت الحراك السياسي ومازالت.
*أثبتت عبقرية الشعب السوداني قدرتها على تحقيق المعجزات السياسية والانتصارات المشهودة عندما تتحد إرادتها كما حدث بعد ذلك في أكتوبر١٩٦٤م ومارس إبريل١٩٨٥م لكن الشعب السوداني لم يخرج حتى الآن من الدائرة الجهنمية ولم يستكمل استقلاله الحقيقي.
*إننا لا نبريء الأحزاب السياسية من الأخطاء والممارسات السالبة التي فتحت الباب أمام الانقلابات العسكرية وبمشاركة من بعضها وبمباركة من البعض الآخر‘ لكن كل ذلك لا يجعلنا نكفر بالديمقراطية التي يمكن إذا أحسن استغلالها تحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.
*مازالت الديمقراطية تتعرض لامتحان عسير نتيجة لعمليات تشظي وانشطار الأحزاب والحركات المسلحة التي يصعب اتفاقها والخطاب ظاهر من عنوانه في الخرطوم وفي أديس وفي عواصم أخرى من العالم في ظل حالة “السيولة” الحزبية المصطنعة.
*المشكلات التي تواجه السودان معروفة وأسبابها واضحة للحكومة والمعارضة والحلول متاحة وممكنة التطبيق‘ لكن للأسف هناك تعمد من الحرس القديم لعرقلة جهود الاتفاق القومي والخروج من خانة هيمنة الحزب الغالب .. والنتيجة استمرار الأزمات والاختناقات وتداعياتها السالبة على المواطنين كافة.
*لسنا من أنصار البكاء على أطلال الماضي أو التغني بأمجاد المواقف التأريخية والتباهي برموزها‘ لأن ذلك وحده لا يجدي ما لم نستلهم الدروس والعبر ونسترشد بها من أجل تحقيق مستقبل أفضل لكل أهل السودان.
*هذا يتطلب الاعتراف بحقائق الواقع وإخفاقاته الظاهرة للعيان والتنادي بجدية – ليس عبر هذه التظاهرة الكمية التي تدور في فلك ذات الواقع المأزوم – وإنما بالعودة بالحوار إلى القوى السياسية الفاعلة والكيانات المجتمعية المعبرة عن فئات الشعب المختلفة والحركات المسلحة المؤثرة .. وتنقية الأجواء السياسية من كل المنغصات وكفالة الحريات وتأمينها من كل تغول بدلاً من العودة إلى مربع استعداء الآخرين وتخوينهم ومحاولة إقصائهم بالقوة‘ والإصرار على إعادة تدوير عجلة الحكم المستهلكة في ذات الطريق المسدود