منصور الصويم

عندي صحبي خلى السجاير


رسالة جملية وصلتني من المبدع الفنان إبراهيم بن البادية، لكل البحبو وبحبو فنه الجميل، أنشرها هنا وأعيد نشر مقال مرّ عليه عام:
“أستاذ منصور الصويم، يسعد كل أوقاتك، قبل سنة بالضبط زي ما قال الفيسبوك. كتبت كلام في غاية الجمال. حابي أشكرك عليه مرة تانية. وحابي أسألك في خلال السنة دي نحن ماشين صاح وللا غلط.. إبراهيم”
“عندي صحبي خلى السجاير”
“عندي صحبي خلى السجاير وقال خلاص أنا ما داير”، هذا المقطع مدخل إحدى أغنيات الفنان الشاب (حقيقة وليس وهماً) إبراهيم بن البادية، والأغنية هذه مثلها مثل أغلب أغنيات هذا الفنان الجديد، تتسم ببساطة الكلمات، وسهولة الأداء وجميل اللحن، بحيث أنها تقترب في نظمها الشعري – الغنائي من (الكلام العامي) للحياة اليومية في حراكها الطبيعي والعادي جدا؛ هذا مع خصوصية اختيار الموضوعات المغناة ومفرداتها التي من الواضح أنها تعبر بامتياز عن الفئة التي ينتمي إليها الفنان وهم الشباب، مع الابتعاد تماما عن الكلام المسف، أو ما يمكن توصيفه بالغناء الهابط فاقد (المعنى)، فالأغنية هذه مثلا تعبر عن رحلة قصيرة جدا لإقلاع شاب عن التدخين، تبدأ بـ “خلى السجاير” وتمر بـ “خلاه من يوم الاتنين عند ست القهوة كنا قاعدين” وتنتهي بـ “تاني يوم اتلاقينا، قعدنا سوا واتعشينا، أكلنا شبعنا وشوية حكينا، صحبي رجع يشرب سجاير، عقلي معاه أصبح حاير”.. وهكذا تنتهي الأغنية المصحوبة بخلفية أصوات ضاحكة وخفيفة الظل!
نموذج آخر من أغاني الفنان إبراهيم بن البادية أغنية (مجنون منكوش)، التي تؤدى بذات السهولة المميزة لكل أغاني هذا الشاب، وتعبر بامتياز عن واقع شباب سوداني يحس بأنه يحيا على هامش الحياة، كما تعكس عبر (القص المغنى) بعضا من الواقع المعيشي الأغبر لهذا الشعب، من كلمات الأغنية: (شعري المنكوش منكوش منكوش، وبايع العالم بتلاتة قروش)، و”باص الوالي زحمة ومدفوس وكله مفلس وما عنده قروش” إلى “لو أتكلم ح آخد برطوش، ولو أسكت هُس ح أموت ممغوص”.. وتمضي الأغنية بكلمات خفيفة ولحن موسيقى جاذبين في التعبير عن حال شاب ما، أظنه إبراهيم نفسه لـ (شعره المنكوش)!
بذات النسق الشعري واللحني والأسلوبي تتنوع عناوين أغنيات هذا الفنان (الجديد)؛ وهي للمفارقة كثيرة ومتنوعة وكتب ولحن إبراهيم بنفسه أغلبها ومنها أغنيات: “الركشة، من أمبارح أنا آسف جدا وندمان، كلمة بحبك، وصوت الوتر”.. صوت مميز وألحان جميلة وفنان يعمل بعيدا عن (القنوات الرسمية) ويحقق درجة من الذيوع والشهرة وحوله يلتف معجبوه من الشباب.
نعم هذه الطريقة في الغناء التي تعتمد الحوار اليومي، في بنائها الشعري، والبساطة اللحنية في تركيباتها الموسيقية، تبدو شائعة – عربيا في الآونة الأخيرة وربما لها وشائج بأغنيات الهيب هوب، وقد يرى البعض أنها فيها شيء من خفة المنلوج، إلا أن المهم فيها كتجربة أنها تقدم (جديدا) وتطرح رؤية شبابية مختلفة عن الحياة والفن والجمال.. وهنا تكمن فرادتها.
ننتظر المتخصصين في الموسيقي ليقيموا لنا تجربة إبراهيم بن البادية.