منصور الصويم

فنتازيا الجوع 4


انتهت المعركة بهزيمة نكراء لمجموعة المهاجمين. فروا صوب المباني المتهدمة ونباح الكلب الشرس يلاحقهم وأسنانه الحادة تطاردهم. توقف فضل السيد والذئبي لبرهة وهما يراقبان الكلب يغيب في الظلام وراء المجموعة الهاربة. امسكا من جديد بطرفي الجلباب وتأكدا باللمس أنه ما يزال محتويا على غنيمتهما الثمينة. “كدنا نفقد الكنز”، قال الذئبي، “علينا بالحذر يا صديقي”، قال فضل السيد. تحركا ببطء شديد مسترشدين بضوء قمر صغير بدأ يعتلي قبة السماء في صعود خجول. كان الطريق طويلا حتى الجانب الآخر من المدينة حيث مجاري التصريف العميقة التي اتخذها فضل السيد سكنا لأسرته، وقرر استضافة الذئبي، شريكه الجديد في رحلات البحث عن الطعام والحياة التي يبدو أنها ستتكرر كثيرا في مقبل الأيام.
وهما يشقان حواري وأحياء المدينة المتهدمة أحسا بحركة متابع لهما، سمعا لهاث الكلب البائس يتردد ثقيلا في تلك الظلمة الحالكة، لم يبصراه مطلقا وإن ظلا متأكدين أنه يرافقهما من موقع قريب ويخطو معهما الخطوات الحذرة خطوة بخطوة. “الكلب يرافقنا”، قال الذئبي، “دعه، إنه على ما يبدو يحرسنا”، قال فضل السيد وهو يقبض بقوة أكبر على العمود الخشبي الذي يحمله بيده توقعا لأي هجوم شرس آخر قد يتعرضا له وهما في طريقها الوعر هذا. صعد القمر أكثر في السماء فأنار ضوءه ركام المدينة الخراب في امتداد غباري لا حدود له يطفو غليظا في الفضاء.
وهما يحثان الخطى ويقتربان من أطراف المدينة عبورا إلى مأوى المجاري واجها تلا من الأسمنت والسيخ والحديد كأنه بقايا بناية عالية هدمتها القاذفات المدمرة، قررا صعود التل اختصارا للوقت بدلا عن الالتفاف حوله لاسيما أن مساحته كبيرة بمقياس التعب الذي بدآ يحسانه، لكن قبل أن وصولهما إلى القمة أحسا بالكلب البائس يصعد سريعا من ورائهما ثم يتخطاهما ويقف مواجها لهما وهو يهز زيله في حركة سريعة جدا. ترددا في التقدم، ثم قررا تجاوزه إلا أنه تقدم نحوهما وبدأ يجذبهما إلى الوراء وكأنه يدعوهما إلى التوقف. “الكلب يحذرنا من شيء وراء التل” قال فضل السيد.
تسحبا على بطنيهما والكلب يقف من ورائهما وقد كتم أنفاسه تماما. على ضوء القمر الذي صار ساطعا أبصرا مجموعة من الرجال وهم ينهالون بآلات تشبه السواطير أو السيوف على أجساد أِشخاص يحاولون الفرار في كل اتجاه. شاهدا الرقاب تتطاير والدماء تسيل إلى أن همدت جميع الأجساد المقاومة.
وهما ينسحبان مرتعبين صوب الكلب، كان الرجال أصحاب السيوف ينحون بوحشية على الأجساد الميتة وينهشون لحومها بأسنانهم!