سعد الدين إبراهيم

براي سويتا في نفسي


قبل أيام نشرت حكاية لشخصية (ود الشواطين) وكان مؤداها أنه يريد أن يثبت للراوي أن جاره الذي يحبه ليس مثالياً كما يرى.. وظل يتربص به حتى كشف سواءته التاريخية.. عن كونه لم يكن أميناً بعد وفاة شريكه (وكاوش على نصيبه).
وجدت الحكاية صدى لكن ما استوقفني اتصال هاتفي من معلمة شابة.. كانت تحتج على كشف (ود الشواطين) لستر الرجل الطيب.. بل أخذت تبكي تعاطفاً مع الرجل وزوجته.. واضطررت إلى أن أقول لها إن الحكاية خيالية فقالت لي: آي عارفة لكن.. استمرت في البكاء.. فاحترت جداً.. وشعرت ببعض الذنب خاصة والقارئة “ليلى الوسيلة” كتبت لي رسالة تقول: إن تكون مثالياً وهذا عنوان الحكاية بعد الاستغفار والتوبة والإنابة يلاحقك (ود الشواطين) وإخوانه يعيرونك بالذي ستره الله عليك من الذنوب والخطايا لتنهار متراجعاً لمربع الخوف من الفضيحة، وينسى (ود الشواطين) أن الله يغفر الذنوب لمن تاب إلا الشرك بالله. غفر الله لنا ولهم..
أيضاً هنالك احتجاج في الرسالة على الموقف.. وهذه الظاهرة إن حق أن نسميها ظاهرة تذهب إلا أن السوداني بطبعه لا يحب الفضائح.. يحب (السترة) حتى لو كان الذنب كبيراً مثل سرقة بطل الحكاية لأموال صديقه الذي مات في حادث.. لم ينظر للجرم المكتسب.
أعادني هذا إلى بداية السبعينيات حيث كنت أعمل معلماً بالمدارس الابتدائية حين ذاك.. وضبطت طالباً في الصف الثامن يتحرش بطفل في الصف الثاني، فأصررت على تصعيد الأمر حتى يفصل الطالب.. وقد كان.. فوصل الأمر إلى مكتب التعليم.. واحتج أهل الجاني مبرئين ابنهم.. فجاءت لجنة تحقيق.. وقال لي أحد أعضاء اللجنة وهو موجه فني (مفتش) بلغة زمان.. ما كان يجب أن تصعد الموقف بل تعالجه دون (شوشرة) لأن خسائر ذلك كانت أبسط مما يحدث الآن فقد تم تصعيد القضية وأدخلت الجميع في ورطة.. فاندهشت حين كنت أتوقع أن يشيد بموقفي حتى لا تتكرر الظاهرة فلو سترناها لأفلت الطالب من العقاب ولهانت المصيبة.. المدهش أن إدارة المدرسة استدعت ولي أمر الطالب المتحرش به، لكنهم لم يتمكنوا من إخباره بحقيقة الأمر لأنه لم يكن يتوقع ذلك، فأخبروه عموماً بأن ابنه يحتاج متابعة ومراقبة سلوكه.
أما المعلمة التي اتصلت وهي تبكي.. ولم تقتنع بكون الحكاية خيالية واستمرت في تقريعي وقلت لها إن الدراما لمصرية مليئة بتجار المخدرات والغش والخيانة، ولكن هذا لا يحمل مؤلف العمل أوزاراً لأنها في الغالب خيالية.. ومع إصرارها ولما أعيتني الحيلة وحتى لا يتمكن مني الشعور بالذنب اتصلت باختصاصي علم النفس الصديق البروفيسور “علي بلدو” وحكيت له موقف المعلمة ورأيه في ذلك.. فقال لي.. موقف المعلمة اسمه المطابقة وهو مؤشر لوجود اضطراب وجداني أو شعوري أو سلوكي يعبر عن صراعات في العقل الباطن يدل على عقد نفسية لم تحل من خلال تراكمات وخبرات سابقة مستمدة من العقل الباطن واللاشعور وتتمظهر في اختلالات شعرية ووجدانية من خلال هذه المطابقة في النصوص المسرحية والغنائية أو أي رمز أو دلالة يحمل معنى خاصاً أو يتمحور حول شخصية معينة، وهذا النوع من الأشخاص يتميز بحساسية مفرطة ويحتاج إلى عمل تحليل نفسي واستدعاء اللاشعور لعمل مصالحة ذهنية ما بين الوعي واللاوعي وإلا سيتحول إلى مرض نفسي يستعصى علاجه!


‫4 تعليقات

  1. كنت اظن انه في حقبة السبعينات من القرن الماضي كان السلم التعليمي يتدرج على ثلاثة مراحل
    الاوليه و المتوسطه و الثانويه العامه ،،

  2. يا ابو السعود خيالك واسع وفيه حبت مبالغة فى السبعينات مافى صف ثامن كدى اطلع فى الشارع واتخيل انك واقف فى صف او بتفتش ليك فى انبوبة غاز ولا الدكتور كتب ليك دواء ومشيت الصيدلية وقالوا ليك الدواء داء مافى لكن فى بديل والبديل التأمين ما بغطيه كدى اتخيل لينا الموفق ده حيكون كيف عشان كلنا نبكى مع المعلمة