منصور الصويم

النقد


ما هو النقد؟ سؤال مقلق واجهني الأيام الماضية وأنا أطالع عددا هائلا من الكتابات المسماة اصطلاحا كتابات نقدية فنية وأدبية صادرة عن أشخاص يصفون أنفسهم بالمثقفين والكتاب وحتى المفكرين. تأملت ما يكتب ويمارس وينشر على نطاق واسع تحت غطاء هذا المصطلح الذي صار فضفاضا نتيجة للأساليب المربكة ذات البعد التضليلي الكبير في كتابات البعض ممن يتذرعون بأن ما يكتبونه نقدا خالصا لوجه الحقيقة ولإبراء الذمة المعرفية والأدبية ليس أكثر. هل هذه دواعي حقيقية لهذه الكتابات المنتشرة مؤخرا تصعيدا لحجر حتى حدود الأنجم وذبحا وإنزالا لنجم حتى حدود الأرض، نفاق شخصاني كبير على جدار السماء وذبح للآخر بمدى ترابية صدئة تنحر بلا شفقة!
بعيدا عن التعريفات العلمية الدقيقة للمصطلح (نقد)، أرى أنه كل ممارسة تنحو إلى عقلنة الفعل “الإبداعي، الفني، الاجتماعي، السياسي، التاريخي.. الخ”، بما يتيح قراءته وفقا لمناهج معرفية تفكك مفاصله قبل إعادة بنائه من جديد بغرض الوصول إلى مكوناته الأساسية أو أسراره الأولية وبالتالي التعرف على مدى أصالته وإن كان يضيف للكون الإنساني (فضيلة، جمالا، علما، كرامة..) جديدة أم أنه فعل يفتقد – حين يجرد – لأي بعد إبداعي يحلل ويبرر وجوده ومساحات الاهتمام التي يجدها. ببساطة ينتهي الأمر بإبراز هذه الإضافة إن وجدت والإعلاء بالتالي من قيمة الفعل المراد نقده، وفي الحالة الأخرى كشف لا جديته إن اتسم بالضحالة وافتقاد القيم المعرفية/ الجمالية الدافعة للرفع من شأنه والاهتمام به.. وينتهي الأمر!
ما يحدث في كتابات البعض – الآن – لا يعدو أن يكون خروجا على الأطر الحقيقية لمعنى المصطلح (النقد)، واختلالا بنيويا بشعا في معنى (الدواعي التنويرية) التي يفترض أن ينبري لها من يظن أن قدراته تؤهله لممارسة هذا الدور التثويري العظيم. فالنقد في مبتغاه الأول والأخير لا يمكن موقعته خارج دائرة فعل (التغيير)، بكل ما يعنيه ذلك من هدم وتكسير وكنس للقيم السالبة التي تهيمن على (العقل) في مرحلة ما من مراحله المتأرجحة ما بين الصعود والهبوط؛ النقد حركة دفع صوب الصعود وعملية إزاحة من موقع الهبوط والتأخر والتراجع، وليس بأي حال من الأحوال يمثل – النقد – حالة مراوحة بين النقلتين؛ أو هو مداورة في فضاء الكسل والزيف والخداع.
من لا يستخدم العقل/ الفكر في ممارسته للعملية النقدية لا يمكن أن يقدم جديدا.