نور الدين مدني

لا أبالي بما يتساقط من أوراق شجرة خريفي .. إننا لما نصير إليه


*لاادري لماذا يربط بعض أهلنا في السودان السفر إلى العالم بالاستمتاع بمباهج الحياة الدنيا الموجودة في كل مكان دون حاجة للسفر رغم علمهم بأن لكل أمرئ ما نوى ولما هو ميسر له.

*في مدينة سدني وحدها أكثر من مكتبة عامة غنية بالكتب والمراجع بمختلف لغات العالم الحية وغير الحية إضافة لقاعات للتعلم بمختلف الوسائط التقنية الحديثة ولمختلف المستويات.

*من الكتب التي قرأتها مؤخراً من مكتبة ميريلاند العامة رواية “من أجل الخبز”‘ الأعمال الكاملة للسيرة الروائية – الخبز الحافي‘زمن الأخطاء ووجوه .. للروائي محمد شكري.

*اطلعت في الخرطوم على الجزء الاول “الخبز الحافي” لكنني أعدت قراءته مع الأعمال الكاملة وانا اتنقل مع السيرة الروائية لبطل الرواية وسط ظروفه الأسرية الصعبة وحياته المعيشية الأصعب.

*عمل بطل الرواية مع والدته في بيع الخضار في محاولة لكسب العيش لكن قسوة الحياة الصعبه دفعته للانتقال إلى وهران بالجزائر ليعمل خادماً لدى أسرة فرنسية وهناك وجد من يشجعه على التعلم فالتحق وهو شاب بالمدرسة في نطوان ليبدأ من بعد ذلك شغفه بالقراءة والتعلم ومن ثم الكتابة.

*عاش بطل الرواية حياة أقرب لحياة البوهيميين في مدينة الحانات وبائعات الهوى لكنه لم ييأس من الحلم‘ رغم الظروف المعيشية القاسية التي دفعت عمه إلى قتل نفسه وزوجته وثلاثة من أبنائه بطريقة درامية بعد أن عجز عن توفير لقمة الخبز لهم.

*عاش بطل الرواية متقلباً بين واقعه القاسي وأحلامه المجنونة وهو لايستطيع الفكاك من قسوة والده تجاه أمه وتجاهه‘ يطارده مشهد قتل أخيه الاصغر على يد الأب القاسي امام أعينهم‘ ليكتشف أن الحب في الناس مثل خبز الفقراء وأن الملح لا يزهر وأن السعادة لا تحط على الكتف وتغرد وإنما تظل على حافة الشرفة.

*وسط حياته المشحونة بالجنون والإفلاس الجسدي والمعنوي يخرج إلى الساحة المعشوشبة ليغني ابراهام أغنيته:

في الأرض وفي السماء يحيا الحب‘ في الوطن وفي المنفي يحيا الحب‘ في السجون وفي المعابد يحيا الحب‘ في الاكواخ وفي القصور يحيا الحب.

*يختم الراوي محمد شكري “زمن الأخطاء” وهو يقول :

يحكون عن كنوزك القديمة

إن الغزاة هربوا أوارها

يحكون أن حلمك البعيد

يجيء خجلاناً ويمضي رائعاً

يحاور النفي الذي يحاصر المدى.

* في الجزء الثالث والأخير من روايته” من اجل الخبز وحده” تنقل بنا محمد شكري عبر حكاياته المعطونة بالواقع المر .. من الحب واللعنات إلى زهور الموتى وكيد النساء وأباطيل اخرى وأخبار الموت والموتى إلى ان يصل إلى وجه بطلنا في الفصول وهو يقول : لم يكن لدينا مرآة في الدار لأن لا أحد منا كان يريد أن يرى وجهه.

*انتهت الأعمال الكاملة دون أن ينتهي حلم بطلها الذي يقول في خواتيم الرواية : في طنجة‘ مدينتي العجائبية هذه يصيبني اليأس حينما أتخاصم مع نفسي دون أن أعرف السبب‘ أيأس عندما أعجز في الصباح من استذكار حلم جميل ابدأ به يومي .. إني أتعلق بالاحلام.

*يضيف بطل الرواية قائلاً : لاأبالي بما يسقط من أوراق شجرة خريفي ‘ لقد أعطت لونها وثمرها وطعمها ورحيقها .. المرء ليس دائما هو كيف انتهى وليس كيف بدأ .. إننا لما نصير إليه.