العطار ..والسبعة بنات
كثيرا ما اجد محل العطارة الذي امر عليه صباحا ..مزدحما بفتيات في أعمار مختلفة وألوان متباينة واشكال متعددة من العباءات ( العباءات بدأت تحل بهدوء مكان التوب السوداني ! )… الحقيقة والشهادة لله لم يثر اهتمامي يوما… (يعني يكون ببيع شنو؟ حنة؟ محريب؟ حلبة؟ بخلور ..زيوت طبيعية .. مش العطار ببيع الحاجات دي؟).. ولكن اليوم وجدت الوقت لاقرا ما كتب على (ضلفتي) الدكان فأذهلني ما يفعله هذا الرجل … أقرأوا معي ( تطويل وتغزير الشعرفي سبعة ايام , تسمين اماكن محددة في الجسم , تعريض الساقين, التبيض الكامل للبشرة في ثلاثة أيام (ماشا الله) , تفتيت حصوة المرارة والكلي بدون عملية (يا جراحين العالم اتحدوا) ) هذا ما اذكره والبقية لم تسعفني ذاكرتي,,, يعني العطار دا سبعة صنايع والبخت (مش ضايع)!!!! … . توقفت امامه وتشجعت لاني لم اجده مزدحما كالعادة …وهو شئ متوقع في صباح الجمعة …ابتسم في وجهي قائلا (اخدمك بي شنو يا مدام ) .حلوة مدام دي ..قلت له (دايره كريم للطول ) …ابتسم قائلا (جدا ..عندنا كريمات لتطويل الشعر في اسبوع وكذلك لتغزيره ..وممكن اذا عايزه تغيري اللون ….وووو) كنت استمع اليه مبتسمة ..توقف قليلا وقال (في حاجة يا مدام؟ ) ..قلت له (انا قاصدة كريم يبقيني طويلة …انا طول عمري قصيرة )…نظر الي بحيرة ..وقال (معليش يا مدام ..بس الطول والقصر دا ما تبعنا )…اكملت حديثي جادة (تبع منو طيب؟ واشمعنى يعني الطول والقصر دا ما دخلتوا فيهو ..انتوا في شئ خليتهوه في حاله )…تحركت من امامه وانا احس بوقع نظراته خلفي ..لابد من انه البسني تهمة الجنون . في تلك اللحظة …ابتسمت رغما عني في داخلي وانا اتذكر قول أخي عبد الرؤوف وهو يداعبني باللغة النوبية ( ناهد .. نورن جلي توتمي) يعني بالعربي حرفيا (ما تتدخلي في شغل رب العالمين) في اشارة الي أبحاثي في الحمض النووي والتي لا تتعدى الدراسة والتحليل فقط.. (اها يا عبدالرؤوف ..العطار دا بيتدخل في شغل منو؟؟؟) . اذا كانت الدراسات العلمية يحكمها دستور اخلاقي يمنع التدخل في طبيعة الاشياء ..لماذا لا يصدر قانون يحكم ما يفعله هؤلاء العطارون في بنات الناس ؟؟؟ . اليس ما يفعلونه هو التغيير لخلق الله؟؟ ..اني لاستغرب ان يبذل الشيوخ جهدهم للحديث عن النمص و(شيل الحواجب ) واعتباره تغييرا لخلق الله ويتجاهلون ما يحدث في دنيا التبييض والتسمين واشياء ما انزل الله بها من سلطان …هذا هو التغيير لخلق الله بحق وحقيقة…. تاملوا معي انحسار اللون الأسمر الطبيعي الجميل من بنات بلدي… ( شفتوا ليكم مذيعة خدره؟)… تأملوا معي تكدس الأجسام داخل البلوزات والاسكيرتات حتي صرنا نتساءل (ياربي التنفس كيف؟) . اليوم وجدت تفسيرا لاسراب الفتيات اللائي التقيهن كل صباح وهن متجهات شرقا وانا في اتجاه الغرب ..فتحسرت على حالي فانا دائما اما خارج الشبكة او مغردة خارج السرب ..و(في الحالتين انا الضايع )…
د. ناهد قرناص