الطاهر ساتي

لا يصلح للطبخ ..!!


:: في مثل هذا الشهر قبل عام، غادر وزير الصحة بولاية الخرطوم قاعة المجلس التشريعي غاضباً و رافضاً عرض تقريره على نواب المجلس التشريعي عندما وصفوه بالمتكبر و المسئ للمجلس التشريعي والمستخف بعقول نوابه..وكان النواب قد إعترضوا في تلك الجلسة الساخنة – بالضجيج الجماعي – ردود الوزير وتعقيبه على نقاشهم ، فخاطبهم غاضباً : ( لو أصلاً ما عندي سُلطة تعقيب على كلامكم، إتكلم معاكم ليه؟)، وغادر القاعة.. وفكر بعض النواب في مساءلته و سحب الثقة عنه ما لم يعتذر ..!!
:: ولكن بعد أسابيع، كان الحدث بكافوري تدشين مجمع إسلامي، وفيه مدح رئيس الجمهورية وزير الصحة بالخرطوم، وخاطبه أمام الحشد الرسمي و الشعبي : (أقول لأخونا مامون حميدة إنت بلدوزر، وأنا جبتك عشان توصل الخدمة العلاجية والصحية للمواطنين في مواقع سكنهم، وما تسمع أصوات الناس الآخرين، ولا البكوركو ديل)..هكذا كانت الرسالة الرئاسية – واضحة جداً- لمن أغضبوا حميدة وفكروا في مساءلته أو سحب الثقة عنه ..!!
:: وصلت الرسالة الرئاسية – بسرعة البرق – لمن يهمهم الأمر، أي ( للناس البكوركو ديل)..ولذلك، كانت الجلسة التالية للمدح الرئاسي بالمجلس التشريعي ضاجة بالمدح والثناء للوزير حميدة..شكروه ومدحوه، وطالبوا رئيس الجمهورية بمنحه (وسام الجمهورية)..بل، بلغ المدح والثناء بحميدة مقاماً قال فيه أحد النواب بالنص : ( في الحج بلغني أحد الأطباء بأنه رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبه قائلاً : بلغ سلامي لمأمون حميدة)..هكذا.. خلال أسابيع، تحول نواب التشريعي (180 درجة)، وحولوا مامون حميدة من وزير مهدد بالإقالة إلى أحد أولياء الله الصالحين الذين يختصهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بالسلام عبر المنام ..!!
:: وما يحدث – في هذا الشهر – لنواب البرلمان صورة طبق الأصل لما حدث لنواب مجلس الخرطوم – في مثل هذا الشهر – قبل عام.. سياسة العين الحمراء، ونهج القول ما قال الرئيس.. وعليهم – نواب القومي والخرطوم – عقد جلسة مشتركة لتعديل اسم شهر فبراير إلى (شهر العين الحمراء).. قبل أسبوع، فاجأت وزارة المالية نواب البرلمان بقرار رفع أسعار الغاز المسمى – مجازا- برفع الدعم ، فرفضوا القرار .. وإستنكروه بتطرف.. وهددوا وزير المالية وتوعدوه في الصحف والفضائيات ..وتمادوا في الرفض لحد الشروع في جمع التوقيعات والإعلان عن عقد جلسة طارئة لمساءلة وزير المالية على تجاوزه لأعلى سلطة رقابية في البلاد.. ثم – فجأة – بعد ساعات من التصريحات الرئاسية الداعمة لرفع الأسعار، وافقوا و هم صاغرون ..!!
:: والمدهش ليس فقط موافقة النواب على سعر الغاز وهم صاغرون، بل ما يلي نصاً : ( اسألوا وزير المالية )..هكذا جاء رد رئيس البرلمان عندما سألوه إن كانت هناك قرارات مرتقبة بتحرير أسعار سلع أخرى..( اسألوا وزير المالية)، تصريح صريح يعني – لذوي البصائر – أن وزير المالية هو كل السلطات التنفيذية والتشريعية والرقابية التى تفعل ما تشاء بغير نقاش أو مساءلة، وما سواه مجرد ( لمة ناس )..ربع قرن، ولا تزال الحكومة عاجزة حتى إدارة نفسها بمؤسسية تحترم كل المؤسسات.. وعليه، شكراً لوزير المالية.. فأنت لم ترفع قيمة الغاز فقط، بل كشفت قيمة البرلمان أيضاً.. فالبرلمان أرخص من الغاز، ولكن لا يصلح حتى ( للطبخ )..!!


تعليق واحد

  1. مهازل يابلد وفعلاً هذه ورطة بعدما اصبحت المعارضةوالبرلمان والمواطن كلهم لابهش ولا ينش والكل اصبح يفعل مايطلوبه هؤلاء هل هو خوف ام خوفاً من مصير مجهول وياليتهم يتوقفون عند هذا الحد ….؟