فيمَ كانوا يتحاورون
سوف يتم الإعلان عن “تسليم مخرجات الحوار الوطني”.. وهو الحوار الذي يفترض أن يقود الوطن للخروج من عنق زجاجة الأزمات السودانية الماثلة. إذن، انتهى ذلك الحوار الذي دعت إليه الحكومة عددا من المعارضين، سواء على مستوى الأحزاب، أو الحركات المسلحة، أو حتى الشخصيات العامة ذات الموقف المناهض للنظام الحاكم. حوار يفترض أنه تداول في مناقشاته قضايا تتعلق بـ “الحكم والهوية والعلاقات الخارجية، وتوزيع الثروة، والديون، وبالطبع إشاعة السلام والأمن والطمأنينة في ربوع الوطن الكبير المنكوب بالحروب منذ أمد بعيد”. هذه هي الموضوعات التي يفترض إشهار مخرجاتها وبالتالي إعلان نجاح الحوار الوطني والوصول إلى بر آمن يسع الجميع.
على أرض الواقع يدار حوار آخر، يومي، مرهق ومتعب، يتحرك في أرض من كبد، بين المواطن المغلوب على أمره وما بات يعرف باحتياجاته الأساسية، والمعني بها: “المأكل، والمشرب، والملبس، والعلاج والتعليم، فقط لا غير”. في هذا الحوار العنيف، يخرج المواطن في كل يوم مهزوماً، محملا بجراح الانكسار والفشل، بيد أنه لا يستسلم، يأمل في عودة أخرى، تكون غدا، يحلم فيها أن يحقق النصر المطلوب، ونصره هنا، لا يتعدى الخروج بمخرجات حوار عادل، تضمن له توفر الخبز وما يليه من لوازم – من بينها الغاز – وأن توفر له المستشفيات والمراكز الصحية العلاج المجاني – على الأقل في متناول اليد، وأن يتمكن من تعليم أبنائه بصورة سهلة دون الاضطرار على إجبارهم لترك مقاعد الدراسة والتوجه صوب خيارات أخرى لم تكن يوما سقفا لطموحاته البسيطة.. إنه يحلم بحوار عادل يحقق له الستر، لا غير!
الحوار الوطني الرسمي، بدا وكأنه يدور في أرض وسماء بعيدين عن أرض وسماء الحوار اليومي النابت من عنت والسابح في وجع. المتحاورون مع الحكومة رغم أعدادهم الكبيرة وتناديهم من كل بقاع الدنيا وأراضي الحروب والصحارى والغابات؛ بدوا وكأنهم أوراق زينة ولمبات نيون ملونة داخل سرادق الحوار الكبير، فلا ثقل حقيقي محسوس لهم، ولا صوت جهير مسموع لهم، ولا اقتراب نبضي مهموم يقربهم فعلا من أولئك المتحاورين مع شروق كل شمس وغروبها في كدهم اليومي المؤدي إلى انهزام مهزوم بالأمل!
مخرجات الحوار الحقيقية التي ينتظرها أصحاب الوجع الحقيقيون أشياء محسوسة، تعني لهم الحياة، ولا تخرج عن: ” المأكل، والمشرب، والملبس، والعلاج والتعليم، فقط لا غير”.