السؤال !
تذكر قوله «تحاشَيْ معي الأسئلة. كي لا تجبريني على الكذب. يبدأ الكذب حقًّا عندما نكون مرغمين على الجواب. ما عدا هذا، فكلّ ما سأقوله لك من تلقاء نفسي، هو صادق».
يومها، حفظت الدرسَ جيّدًا. وحاولت أن تخلق لغة جديدة على قياسه، لغة دون علامات استفهام.
كانت تنتظر أن تأتي الأجوبة. وعندها فقط كانت تضعها أسفل أسئلتها، دون أن تنسى أن تتبعها بعلامات تعجّب، وغالبًا بعلامات إعجاب.
تدريجاً، وجدت في فلسفته في التحاور، من دون أسئلة ولا أجوبة، حكمةً، وربّما نعمةً ما.
وشكرت له إعفاءها من أكاذيب صغيرة أو كبيرة. كانت تقترفها دون تفكير. وبدأت تتمتّع بلعبة المحادثة المفترضة التي لا سؤال فيها ولا جواب.
ها هو ذا اليوم هو نفسه أمام السؤال.
من الأرجح أنّه يتساءل: أيطرحه أم يُجيب عنه. وهو في الحالتين كاذب.
السؤال خدعة، ومباغتة للآخر في سرّه. وكالحرب إذن، تصبح فيها المفاجأة هي العنصر الحاسم. لذا، ربّما قرّر الرجل صاحب المعطف أن يسرق منها سؤالها، ويتخلّى عن طريقته الغريبة في التحاور.
تلك الطريقة التي أربكتها طويلاً، وجعلتها تختار كلماتها بحذر كلّ مرّة، سالكة كلّ المنعطفات اللغويّة، للهروب من صيغة السؤال، كما هي تلك اللعبة الإذاعيّة التي ينبغي أن تُجيب فيها عن الأسئلة، دون أن تستعمل كلمة «لا» أو كلمة «نعم».
تلك اللعبة تناسبها تمامًا، هي المرأة التي تقف على حافة الشكّ. ويحلو لها أن تجيب «ربّما»، حتى عندما تعني «نعم»، و«قد» عندما تقصد «لن». كانت تحبّ الصيغ الضبابية، والجمل الواعدة ولو كذبًا، تلك التي لا تنتهي بنقطة، بل بعدّة نقاط انقطاع.
” فوضى الحواس ”