تحقيقات وتقارير

تغييرات الجيش .. قيادات جديدة لمؤسسة راسخة

وجدت التغييرات التي أجراها رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، صدىً واسعاً وسط المدنيين قبل العسكريين. ولعل الحراك الذي أحدثته القرارات دليل عافية بأن القوات المسلحة السودانية مؤسسة تتوارث فيها الأجيال، وأن العمل في الجيش مرحلة لابد من تخطيها الى مراحل أخرى. ولأن الإحالة للمعاش والترقي في القوات المسلحة نظام طبيعي قبله السابقون من القادة واللاحقين فيها، ألا أن كثير من الرأي العام لا يفهم هذا النظام المنضبط والمحكم، كيف يتم الترقي وكيف تتم الإحالة الى المعاش، وكيف تُدار مؤسسة بحجم القوات المسلحة لا يمكن أن تهتز بمجرد الخروج او الدخول فيها، وليس في ذلك النظام عاطفة الرجاء إلا استثناء لرئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي له الحق في ذلك ربما تلك صورة قد تغيب على الكثيرين من الناس، ولكن من خلال التقرير نوضح ما نستطيع.
تغييرات محدودة
لقد أصدر رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، القائد الأعلى للقوات المسلحة، عدداً من القرارات تم بموجبها إجراء تغيير محدود في رئاسة أركان القوات المسلحة، وترقية عدد من الضباط لرتبة الفريق أول والفريق. وشملت القرارات تعيين الفريق أول ركن عماد الدين مصطفى عدوي، في منصب رئيس الأركان المشتركة، خلفاً للفريق أول مهندس ركن مصطفى عثمان عبيد سالم، وتعيين الفريق أول ركن يحيى محمد خير نائباً لرئيس الأركان المشتركة، والفريق أول ركن يعقوب إبراهيم إسماعيل مفتشاً عاماً للقوات المسلحة، كما أصدر البشير، قراراً بتعيين الفريق الركن إبراهيم محمد الحسن وزير دولة بوزارة الدفاع، بجانب تعيين الفريق الركن كمال عبدالمعروف رئيساً لأركان القوات البرية.
ويقول المتحدث الرسمي باسم الجيش، العميد د. أحمد خليفة الشامي، إن القرارات جاءت في إطار التغييرات الدورية في هيئة القيادة، وفقاً لقانون القوات المسلحة السودانية.
تولي القيادة
أية رتبة في القوات المسلحة لها فترة بقاء يترقى بعدها الضابط وفق شروط بما يُعرف بشرط الترقي، وهي محددة منها اذا كان ليس لديه أي مانع من الترقي والتأهيل والدورات التدريبية الحتمية والخاصة.. وتولي القيادة في القوات المسلحة لها فترة محددة وأن للقائد الأعلى صلاحية التعيين بالاختيار المطلق ويمكنه المفاضلة بين الناس وربما النظام المتعارف عليه وسط القيادات بالجيش جعلت التكهنات بالدفعة المقبلة التي تعتلي هرم القيادة بالجيش معروفة، وبالتالي ينتفي وسطهم التذمر وعدم القبول او الرفض.
اختيار منضبط
وتستعين القيادة العسكرية لملء الوظائف العليا من منسوبيها بتقارير استخباراتية وهي تقارير سنوية تشمل أداء الضابط وسلوكه وقيادته وربما تسبق تلك التقارير عملية الاختيار للدفعة وكلما وصلت الدفعة الى هرم القيادة يضعف عدد المرشحين لملء وظائف هيئة الأركان بالقوات المسلحة لتصل الى 4 الى 5 من الدفعة تتم بينهم المفاضلة وفق شروط محددة منها القيادة والقبول، وقد يكون المرشح (شاطر) أول الدفعة وشروط أخرى تصب في صالح القائد المقبل لرئاسة الأركان ربما هذا النظام هو السائد في الجيش، ولذلك تجد القبول والرضا لجهة أنها سنة الحياة وأن القيادة متوارثة من أجيال يسلمها جيل عن جيل.
أبوعشرة .. «أبو الجيش»
لقد ترجل الفريق أول ركن مصطفى عثمان عبيد عن رئاسة هيئة الأركان من أبناء الدفعة (25) بعد مسيرة طويلة عرفت بكثير من التضحيات. لقد عرف الرجل بحبه للجندية ولا يخشى في ذلك لومة لائم. وعند قواته معروف بـ(أبو الجيش وأبو عشرة)، لقربه من قواته. وما يروى عنه أنه يفتح باب بيته لكل العسكريين من مختلف انتماءاتهم العسكرية، ودائماً ما تجده في مسجد المهندسين يستقبل ضيوفه وهو الذي رفض تغيير منزله عندما كان مكلفاً بوزارة الدفاع.
ومصطفى مشهود له بالكفاءة والمهنية العالية والاحترافية في العمل، ومن أفضل من صنع الإنجازات خلال مسيرته، لذلك اجمعت حوله قلوب العسكرية محبة وهيبة، وعُرف الرجل بأنه عصامي بالتجرُّد ونظافة اليد. حكى لي أحد أفراد الجيش أنه ذهب إليه وطلب مبلغاً من المال ما كان يظن أحداً موافقته عليه، ولكن الرجل أمر بسد حاجته من المال، ولذلك لم يرد أحداً غائباً. لقد عمل مصطفى بسلاح ﺍﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ، وجاب أغلب مناطق السودان حتى بلغ رتبة العميد مهندس ركن. وعمل بﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ الاستوائية وﺭئيساً لشعبة العمليات. وﻗﺎﺋﺪاً لمتحرك ﻋﺰﺓ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ. وﻗﺎﺋﺪﺍً للمنطقة الاستوائية ﻣﻦ ﻋﺎﻡ 2002م إلى 2005م. ثم ﻗﺎﺋﺪاً ﻟﺴﻼ‌ﺡ ﺍﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ. ونال دورات الكلية الحربية السودانية وﻛﻞ ﺍﻟﺪﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﺘﻤﻴﺔ بجبيت وكلية القادة والأركان. الأكاديمية العسكرية العليا. ﺩﻭﺭﺍﺕ بالولايات المتحدة الأمريكية ﻭﺳﻮﺭﻳﺎ. ﻭﺟﺎﺀﺕ إشادات في حقه ﻣﻦ ﺳﻮﺭﻳﺎ وأمريكا لأدائه المتميز. وحصل على ﺑﻜﺎﻟﺮﻳﻮﺱ ﻫﻨﺪﺳﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ من ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ. ﺭﻗﻲ ﻟﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ وعين ﻧﺎﺋﺒﺎً ﻟﺮﺋﻴﺲ الأﺭﻛﺎﻥ ﺑﺮﻳﺔ عمليات ﻭﺗﺪﺭﻳﺐ. ثم ﺭﺋﻴﺴﺎً لأﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔ. وترقى لرتبة الفريق أول مهندس ركن وعين رئيساً للأركان المشتركة. ومن مميزاته أنه ﻳﺸﺮﻑ على الأعمال ﺑﻨﻔﺴﻪ، ﻟﺬﺍ ﺗﺠﺪﻩ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻓﻲ الميدان وفي ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ بين الجنود. ﻋﺮﻑ ﺑﻠﻴﺎﻗﺘﻪ ﺍﻟﺒﺪﻧﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﻋﻔﺔ ﺍﻟﻴﺪ ﻭﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻭﻗﻮﺓ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ. ﺭﻓﺾ ﻣﺮﺍﻓﻘﺔ ﺯﻭﺟﺘﻪ إلى ﺍﻟﻌﻼ‌ﺝ ﻓﻲ الأﺭﺩﻥ بسبب ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻻ‌ﺳﺘﻮﺍﺋﻴﺔ. اعتذر عن ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ إلى ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻓﻲ ﺩﻭﺭة ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ بسبب أﻧﻪ ﺭﺋﻴﺲ ﺷﻌﺒﺔ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﻭﻣﻮﻗﻌﻪ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻭﺟﻮﺩﻩ.
عدوي وملف التفاوض
ارتبطت سيرة الفريق مهندس ركن عماد الدين مصطفى عدوي حسن بملف التفاوض مع دولة الجنوب الذي كان ممسكاً بذلك، ولذلك كان قربه من وسائل الإعلام واعتبره البعض أنه سياسي أكثر منه عسكري. وسيرة عدوي الذي ينحدر من مدينة الحصاحيصا ومتزوج وأب وجد، تشير الى أنه تقلَّد مدير أكاديمية نميري العليا، حيث تخرج في بداياته من الكلية الحربية السودانية الدفعة «27» ويحمل ماجستير علوم عسكرية من جامعة بكر العراق، وزمالة كلية الحرب بالأكاديمية العسكرية العليا، بالإضافة لزمالة كلية الدفاع الوطني السورية، ونال دورة كبار القادة الأفارقة بأكاديمية ناصر العليا بمصر وحصل على دبلوم إعلام جامعة الخرطوم كلية الدراسات الإضافية، بالإضافة الى نيله هندسة اتصالات وإلكترونيات من معهد الاتصالات السلكية واللاسلكية، دبلوم علوم حاسوب. وعمل عدوي بوحدات الهجانة، الإشارة، أعالي النيل «فترتين»، مكتب رئيس الأركان، الأكاديمية العسكرية العليا، كلية الحرب، الفرقة السادسة مشاة، المنطقة العسكرية الغربية. وتقلد خلال عمله مناصب منها موجه بالأكاديمية العسكرية العليا، قائد الفرقة السادسة مشاة، قائد المنطقة العسكرية الغربية، بالإضافة الى إدارة مشروع منظومة القيادة والسيطرة (C41) والرجل له مؤلفات وبحوث منها «أثر لعب الحرب في رفع مستوى التدريب»، «أثر سوداتل في الاتصالات الإستراتيجية للقوات المسلحة السودانية». «اتفاقية السلام وآفاقها المستقبلية»، (Darfur conflict).
رجل معركة تحرير هجليج
اشتهر الفريق الركن كمال عبد المعروف في عدة مواقف، وهو الرجل صاحب اسمه معركة تحرير هجليج الشهيرة، ولكن ذلك الضجيج الذي صاحب التحرير ألحقه بشائعات ورود اسمه ضمن المحاولة الانقلابية التي أحبطتها السلطات، والتي قامت بها مجموعة من القيادات العسكرية البارزة المحسوبة على الحركة الإسلامية في البلاد، وسيرة الرجل تقول أن وطنه الأصل بولاية نهر النيل محافظة المتمة قرية المكنية التحق بالقوات المسلحة في العام 1978م الدفعة «29» وحصل على دبلوم العلوم العسكرية من الكلية الحربية السودانية، ونال كافة الدورات الحتمية للمشاة الداخلية والخارجية، كما نال بكالريوس العلوم العسكرية والإدارية من جامعة مؤتة «الأردن»، بجانب نيله لماجستير العلوم العسكرية كلية القادة والأركان، وزمالة الحرب العليا من الأكاديمية العسكرية العليا، وأيضاً نال دورات كبار القادة الإستراتيجية ودورة السياسات الأمنية والإستراتيجية «مركز جنيف للسلام».. ومؤهلاته الأكاديمية هي الشهادة السودانية ثم بكالريوس في علوم الإدارة جامعة مؤتة الأردنية ألحقه بدلوم عالٍ في الدراسات الإستراتيجية من جامعة الزعيم الأزهري ثم ماجستير الدراسات الإستراتيجية من نفس الجامعة.. وحضِّر للدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة كرري، وعمل عبدالمعروف خلال مسيرته العسكرية معلماً بمدرسة ضباط الصف بجبيت، الكلية الحربية، قائد حامية تركاكا، قائداً لحامية كاجوكاجي، قائد متحرك الأنفال بالإستوائية، قائد ثاني لواء إدارة القيادة العامة، قائد مدرسة ضباط الصف بجبيت، ملحق عسكري مقيم بجمهورية الصين الشعبية، وملحق عسكري غير مقيم بكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وفيتنام، مدير إدارة العلاقات الدولية بوزارة الدفاع، قائد الكلية الحربية السودانية. والتحق كمال عبد المعروف الماحي بالقوات المسلحة في الدفعة «29» وتخرج في مايو 1980م وعمل في وحدات الجيش المختلفة وكان قائداً للكلية الحربية قبل تعيينه مؤخراً قائداً للفرقة «14» في هجليج خلفاً للواء الركن بشير مكي، وكما يصفه رفقاؤه «أخو أخوان» وذو خلق ودين. شارك في جُل العمليات العسكرية للقوات المسلحة في أحراش الجنوب، وقال عبدالمعروف للفضائية السودانية في تصريح له بأن قوات الجيش الشعبي جاءت لتتسلح بأسلحتنا كما وعدهم قادتهم في جوبا لكنهم رجعوا وقد تسلحت القوات المسلحة بأسلحتهم التي جاءوا بها من دولة الجنوب. لقد أوفى عبدالمعروف بما وعد به القيادة فكان وتحررت هجليج.
الفريق ركن يحيى .. العود أحمد
يرى البعض أن الفريق الركن يحيى محمد خير محظوظ لأنه عاد بعد أربعة أشهر فقط من قرار إعفائه من منصبه وزيراً للدولة بالدفاع الى ذات المنصب بقرار جمهوري والذي كان قد شغله في الفترة من ديسمبر 2013 حتي نهاية مايو الماضي حينما كان يحمل رتبة اللواء، ويعود ابن الدفعة (29) بالكلية الحربية الى الوزارة مجدداً وهو يحمل رتبة الفريق هذه المرة حيث ترقى وعين، ضمن رئاسة أركان الجيش رئيساً لأركان القوات البرية.
لقد حدث تحول جديد في شخصية يحيى حيث خاض تجربة جديدة عقب اتفاقية السلام، غادر حينها المنطقة المركزية وتم تعيينه لثلاثة أعوام، ليعود بعدها للجيش في2010 وخلال وجوده تم تعيينه والياً عسكرياً بولاية النيل الأزرق لفترة بسيطة ويلاحظ أن يحيى كثير التنقل وقد نقل من الدمازين الى قيادة الحرس الجمهوري في العام 2011 لمدة 3 أشهر فقط، ومنها الى الكلية الحربية والتي عمل فيها عاماً ونصف العام، ومنها مديراً لإدراة شؤون الضباط، ليعين بعدها وزيراً للدولة بالدفاع في ديسمبر 2013 وبعد عام وخمسة أشهر يتم إعفاؤه، ليمضي بعدها خمسة أشهر فقط في هيئة الأركان ليعود وزيراً مرة أخرى مع وزير جديد للدفاع (الفريق أول عوض بن عوف). يتمتع يحيى بعلاقات وثيقة وسط العسكريين وقيادات الإنقاذ، حيث كان قريباً من النائب الأول الأسبق الزبير محمد صالح فهو ابن عمه وشقيق أرملته، متزوج وله عدد من الأبناء. ويحيى ولد بمنطقة كرمة النزل في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
الفريق ابراهيم .. الصيف الحاسم
يبدو أن الفريق إبراهيم محمد الحسين، أكثر الضباط استقراراً ورغم المؤهلات الكبيرة في قيادة القوات البرية، إلا أن الرجل ظل محل ثقة القيادة وقبل تعيينه وزير دولة بالدفاع، وكان الرجل يشغل منصب رئيس هيئة العمليات المشتركة، حيث شهدت فترته انتصارات القوات المسلحة في الصيف الحاسم وعمليات فنقه التي حسمت التمرد بدارفور.

الانتباهة