رأي ومقالات

السودان والعقوبات الأمريكية!..طارق إسماعيل محمد

اطلعت على الصحف السياسية الصادرة خلال الأسبوع الماضي والجاري على ما ورد في أروقة مجلس الأمن من تحركات أمريكية لاستصدار قرار يحظر استيراد الذهب من السودان، وفشل القرار بعد أن واجه اعتراضاً من روسيا، فنزويلا، الصين، ماليزيا، مصر وأنجولا، ومن ثم تمديد العقوبات الأمريكية على السودان!
قد يرى البعض ألا فائدة تُرجى من أسلوب الإثارة والتعبئة الشعبية ضد العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان! وإنما يفيد أسلوب التفاوض الدبلوماسي الهادئ طويل النفس الذي يؤدي إلى نتائج إيجابية، وقد يقول البعض إن الحكمة بلورة رأي عام واعٍ ومستنير تسنده حقائق ومعلومات دقيقة وصحيحة تدفع متخذي القرار نحو الطريق الصحيح حول تلك العقوبات الظالمة على شعب السودان!
أعتقد أن القضايا الهامة، لا تُحل إلاَّ بالحوار والطرح الموضوعي والعلمي، وبالتزام المؤسسات وصلاحياتها، والاحتكام إلى الإرادة الشعبية، وإدراك الشعب لطبيعة محركات الصراع الدولي وبالتالي استنباط نوايا القوى العظمى تجاه وطنهم بحكم وضعه الداخلي والخارجي من المنظور الاستكباري، يسهم في خلق قدرات تُقلل من المخاطر الخارجية الكبرى على الوطن.
فالخطيئة كل الخطيئة أن يقرأ الناس تحركات أمريكا بنظارات سوداء قاتمة تحجب العيون عن رؤية الصورة بأبعادها الكاملة في الحاضر وآفاقها المحتملة في المستقبل، فلابد من تبصير الرأي العام السوداني بمخاطر السياسة الحمقاء التي تتباها واشنطن تجاه السودان وشعبه، والتي لن تفرز سوى مزيد من الفوضى وغياب الاستقرار وتهيئة الأجواء المواتية لاتساع العنف، فلابد أن يعلم الشعب بأن أمريكا وجهات أخرى تقفان صفاً واحداً لإذلاله!!.
إن أخطر ما يمكن أن يُهدد الموقف في المرحلة الراهنة ليس هو تخرصات أمريكا، أو ترصد الجهات الأخرى المعادية لنا وصمتها فحسب، وإنما الخطر كل الخطر أن فينا من ينشرون دعاية مغرضة عن رغبة أمريكا في إنصافنا ومساعدتنا وينتظرون المعجزة التي ستصنعها، أو من جانب الذين يأملون في المعجزة الديمقراطية التي ستبينها على أرض السودان، كي تكون مثلاً وأنموذجاً يحتذى به!!
فالمطلوب استيقاظ المواطن السوداني، كما أن استيقاظه يُشكل نوعاً من الرادع في وجه مَن يتوهم أن السودان سائب لكل الطامعين والمتآمرين، فلابد من كشف قوى التحريض التي تستهدف مزيداً من التورط الأمريكي في المنطقة لمجرد خدمة وتلبية الأهداف والمقاصد الأمريكية غير المشروعة.. وغير المقبولة أيضاً.
رغم أن أمريكا مارست سياسات عقيمة بدرجات متفاوتة تجاه السودان وشعبه منذ نصف قرن تقريباً، فإنها لم تحصد سوى المزيد من الكراهية خارج أمريكا، والمزيد من الكراهية والنقد داخل السودان! بل إن كل عقوباتها من أجل تدمير السودان وشعبه ستسقط أمام الواقع السوداني الذي ظل يحمل عبئاً لا يطاق جراء هذه العقوبات المنهكة!!
يمكن القول إن عريضة الاتهامات الأمريكية للسودان مليئة بالأخطاء والافتراءات، والتي يمكن تفنيدها، خصوصاً أن السودان يملك من الحجج والوثائق التي تدحض جميع اتهاماتها، ولكن المطلوب هو أن تفهم أمريكا أنها مهما فعلت من ضغوطات فإن السودان وشعبه لن يرضخ لأية شروط إذعانية تفرضها، فالمطلوب إغلاق الطريق أمام أصدقائها وعملائها الذين يتصيدون بعض ما يرد في الخطاب الإعلامي والسياسي داخل السودان، لإظهار عدم استعداد السودان للتعاطي مع المطالب الأمريكية وإجراء حوار جاد بشأنها.
لابد أن تقرأ أمريكا الأوضاع بصورة مختلفة، وعليها أن تدرك حقيقة العلاقة مع السودان ولا يمكن اختزالها في قضية اتهاماتها كاذبة، هناك العشرات من المصالح المشتركة السياسية والاقتصادية والأمنية التي تتجاوز كثيراً ما تقدمة الولايات المتحدة من دعم للسودان، وعليها أن تضع اتهاماتها المتكررة في سياقها الصحيح، وأن تبتعد بها عن أي شروط أو أي خلافات قد تطرأ بشأن قضايا إقليمية أو داخلية.
ما نرجوه هو إعادة بناء العلاقات على أسس مختلفة تدعم قدرة الدولتين على تجاوز أي خلافات قد تنشأ، وليس أسسا جديدة شعارات المخذلين، وهو أمر يتطلب من الولايات المتحدة، باعتبارها الدولة الأقوى في العالم، أن تتفهم جيَّداً المصالح الإقليمية السودانية وأولوياتها، وأن تدعم تحركاتها في المنطقة إذا ارتضت بناء مشاركة استراتيجية مع السودان.
لا نتوقع أن تصبح العلاقات السودانية الأمريكية قوية إلى حد التطابق، ولكننا نتطلع إلى أن تصل إلى حدود الفهم المتبادل، بما يحقق المصالح بين البلدين، وبما يحمي تلك العلاقات من التوتر حينما ينشأ خلاف في الرؤى والسياسات، فالسودان لم يكن مصدراً لتهديد المصالح الأمريكية، وكذلك نأمل ألاَّ تصبح السياسات الأمريكية مصدراً يهدد مصالح السودانيين ووطنهم.. وهنا يمكن لهذا العلاقات أن تصبح مصدر قوة لتحقيق مصالح البلدين، وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بأسرها. أقول لا يستطيع أحد أن يجادل بأن العلاقات بين الدول لا يمكن أن يكون هناك اتفاق على كل شيء، واتفاق دائم، والخلاف يمكن أن يحدث، لكنه ينتهى عندما تتضح الأمور، كما أن الدولة التي تدير علاقاتها بشكل متواز مع جميع الدول ولا تتبع لا سياسة الاستقطاب ولا سياسة المحاور، فإنها ستتميز بالاعتدال والحكمة حتى مع مَن تختلف معها.
ولا يستطيع أحد أن يجادل في أننا نحتاج إلى أن ندير علاقتنا مع جميع الدول على مبدأ معاونة الأصدقاء في الأزمات وفي الرخاء، لأن العلاقات بين الدول لا تقوى بالمساعدات فقط، وإنما بالود والعلاقات الجيَّدة، إضافة إلى قوة العلاقة بين الشعوب، فهذه العلاقة تقوى العلاقة بين الدول. ولقد رأينا ما قدمته روسيا، فنزويلا، الصين، ماليزيا، مصر وأنجولا، في مجلس الأمن، للسودان وشعبه، فشكراً لحكومات وشعوب تلك الدول، ولمشاركتهم هموم السودان وشعب السودان، فالشعب السوداني يرغب في تعاون وسلام وحياة آمنة مطمئنة تسود العلاقات الداخلية والخارجية، فليكن العالم كله ومن دون استثناء عوناً لشعب السودان ومسعفاً لتلبية رغباته، لا مضاعفاً رهباته من الأقربين أو الأبعدين عنه تاريخياً ودنياً وجغرافياً.
مع إيماني المطلق بأننا جميعاً نقف تحت مظلة السودان فإن مسئولية المصير المشترك تفرض على الجميع حداً أدنى من الالتزام بعدم تعريض المصالح القومية للخطر بقرارات غير محسوبة ربما تؤدي لتوريط الجميع في صراعات ونزاعات قد لا تخدم في النهاية سوى مصالح القوى المعادية لنا، وأن نضع في اعتبارنا أننا أمام مؤشرات مجنونة للعدوان وتنذر بعواقب خطيرة قد لا تكون في حسبان اللاعبين بالنار، وهي نار لن تستثني أحداً لأن وقودها من اليأس والإحباط.
في الخلاصة: ينبغي أفشال كل مخططات أمريكا بكل أدوات الحكمة والعقل والحساب السياسي الصحيح.. وعلينا أن نفكر بدقة وأن نتحرك بسرعة، وأن نتجاوز الاهتمام بالذي حدث.. وكيف حدث.. إلى الاهتمام الأوجب بالذي ينبغى علينا إنجازه قبل أن يستفحل الخطر! إن علينا أن نأخذ على محمل الجد، تلك التهديدات المتصاعدة من داخل أمريكا تجاه السودان!

الانتباهة

تعليق واحد

  1. ينصر دينك .. كلامك عين العقل ..؟؟

    وبفس الفهم أنا من اللذين لم يسطوا لرفع العقوبات لعلمي التام بأن أمريكا لا طائل من ورائها مهما تقدمنا بالتنازلات فهى تطمع للمزيد ..