محمد محمد خير

في ذكرى رحيله السابعة


انفرد الطيب صالح بالتملك الكامل لكل خصال الزاهد ومن خصال الزهد تنبثق البساطة وينهض التواضع وتتجسد معاني الاسم (الطيب) فتتطابق حرفياً مع كل معانيه. هذا أول ما تلمسه حين تقابله أو حين يتحدث إليك، ولكن هذه الصفات التي ميّزته لم تكن ساكنة، كان لها استحقاقات ظل يدفعها طوال عمره وسط دهشة واستغراب الناس.

لم يكن الطيب يملك عربة، ظل لأكثر من خمسين عاماً يواظب على المواصلات العامة بصات وتكاسي و(أندر قراوند) ولم يكن يتحدث بصوت مرتفع وأهم ما كان يميز كلامه ذلك الصوت الذي ينساب بنغمة واحدة مهما تصاعد الانفعال. وكان أنيقاً جديداً وبالدارجي (لبِّيس) وضمن تلك الأناقة المركزية يحرص على أناقة المفردة وأناقة الاستشهاد وأناقة التعبير وتوازن الصوت إن لم يكن أنيقاً أيضاً.

العام الماضي زرت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بدبي وهي المؤسسة التي عُرفت بجائزة العويس للشعر والرواية والمسرح، والدراسات الأدبية والنقد والإنجاز الثقافي والعلمي منذ عام 1988 وقد تتالى كتاب وشعراء وروائيون على الفوز بها أبرزهم فدوى طوقان، محمود درويش، محمد عفيفي مطر، نزار قباني، صنع الله إبراهيم، سعد الله ونوس، عبد الرحمن منيف، وغيرهم من الأسماء الراكزة في خريطة الإبداع العربي.

الأستاذ عبد الإله عبد القادر المدير التنفيذي للمؤسسة قابلني بترحاب خليجي واتجه مباشرة للطيب صالح، وظل يتحدث لأكثر من نصف ساعة عن الطيب، بحور السماحة العريضة وقوة االنص الأدبي، والإلمام الموسوعي بالأدب والقراءة الجديدة للمتنبئ والرؤية المتجددة للجاحظ وسيرة أبي جيان التوحيدي، وامتد الحديث وطال إلى أن دخل المنطقة الخاصة بالطيب صالح تلك المنطقة التي لا يسمح باختراقها أو هز مرتكزاتها، فقد حكى لي الرجل أنه ظل ولخمس سنوات متتالية يحمل قسيمة الجائزة بترشيح مؤسسة العويس نفسها للطيب صالح لنيل جائزة الرواية ولم يكن المطلوب من الطيب غير كلمات قليلة في ذيل الأورنيك وهي (لا مانع من قبول الترشيح) وفي كل مرة كان الطيب يقنع الأستاذ عبد الإله بأنه لا يزكي نفسه!.