عندما يسجل الشيطان غياباً!!
نعم.. الشيطان يغيب مثلما يحضر ويشكل وجوداً مؤثراً ومثيراً للفتن والنعرات من أبواب متفرقة، منها أبواب السلطة أو الشهوة، أو المباهاة أو العزة بالإثم، أو أي باب كان ظاهره فيه الرحمة، وباطنه فيه العذاب.
الشيطان قد يزين لك واقعك، ويجمله بكل ما فيه مرضاة للنفس وإرضاء للشهوة، والأمثلة كثيرة حولنا، والنتائج إما دمار مجتمعي وفساد أخلاقي، وإما أنهار من الدم في ميادين القتال.
أذكر أنه في شهر أغسطس عام 2004م كنت في “لندن” للمشاركة في الذكرى الأولى لعالمنا الفذ الأستاذ الدكتور “عبد الله الطيب”، بدعوة كريمة من المجلس السوداني القومي بـ”بريطانيا” و”شمال أيرلندا”، أذكر وقتها أنني بقيت أسابيع قليلة بعد تلك المناسبة التي شارك فيها زملاء وأصدقاء وتلاميذ الفقيد “عبد الله الطيب” من مختلف أنحاء العالم – نيجيريا، مصر، بريطانيا، المغرب، السودان وغيرها- حرص على دعوتهم واستضافتهم المجلس السوداني القومي ورئيسه الشيخ الجليل الدكتور “إبراهيم الطيب الريح”، وقد طلبت تأخير عودتي لأبقى قليلاً مع أهل وأقارب وأصدقاء اختاروا أن تكون بريطانيا – ولندن بالتحديد – دار مقامة لهم، ولأشهد أضخم مهرجان لدول الكاريبي بعد مهرجان (ريو دي جانيرو) البرازيلي المعروف في “البرازيل”، يقام كل صيف في “لندن” ويحمل اسم “نوتنغ هيل كارنغال”، والذي يعتبر أحد المعالم الثقافية والسياحية البارزة.
خلال يومي المهرجان الذي تغطي فعالياته كل وسط “لندن” قلت لأخي وصهري الأستاذ “هشام محمد عبد الحليم”، الذي يقيم هناك مع أسرته الصغيرة، قلت له إن إبليس وكل شياطين الجن في إجازة رسمية طوال فترة أيام المهرجان، وإنه ليس له وجود هو أو أي من أبنائه في “لندن” هذه الأيام، فالأفعال التي نراها والممارسات التي تتم، وأنهار الخمور التي تراق، ومساحات الأجساد العارية المعروضة في الطرقات وسط عزف الموسيقى الكاريبية الساخنة، تمهد لكل فعل لا يحتاج تدخل الشيطان، لذلك سينتقل إلى مكان آخر إلى أن تنتهي هذه (الهيصة).
الشيطان وقتها كان قد انتقل ليشعل نار الفتنة بين الكثيرين، وقد ندر ندرة النبتة السيئة في عدد من مناطق السودان لتكون حرباً قبلية، وكل ما حاول الحكماء أن يطفئوا نار الحرب، أوقدتها الأيدي الآثمة، لكن وبعد سنوات الاحتراب الطويلة، جاء زعماء القبائل المستهدفة ليقدموا عونهم ومساعدتهم في إطفاء نار الحرب اللعينة، وقد نجحوا نجاحاً كبيراً، وكانت هذه النجاحات الصلح الذي تم بين “الزيود” و”أولاد عمران” في “غرب كردفان” قبل أيام قليلة، بعد أن وقّع عليه أمراء أطراف قبيلة المسيرية المتحاربة من “الزيود” و”أولاد عمران” بعد معارك استمرت أشهر عديدة، راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى.
لابد من وقفة تحية وإجلال لأمراء الطرفين، ولابد من تحية وتقدير للذين كانوا وراء هذا الصلح التاريخي ووقفوا خلفه، وعلى رأسهم السيد والي ولاية “غرب كردفان” الشاب (الأمير) أبو القاسم الأمين بركة.. وقد طردوا الشيطان من بينهم وسدوا عليه المنافذ، ولم يعد لديه مكان هناك.