” ذاكرة الجسد ” . . . مرة أخرى !
سنة 1998 عرضت عليّ الجامعة الأمريكية في القاهرة التي كانت وكيلي الأدبي آنذاك لكونها من منحتني جائزة نجيب محفوظ عن رواية ” ذاكرة الجسد ” مشروع تعاقد لترجمة ” ذاكرة الجسد ” للغة العبرية ، فرفضت العرض قبل حتى الخوض في تفاصيله .
قبل أيام وبعد 18 سنة ، وصلني من السيدة ميسلون دلاشة ، عرضاً بترجمة ” ذاكرة الجسد ” إلى العبرية . طلبت من السيدة ميسلون وهي سيدة فلسطينية مزيدًا من التوضيحات ، حول الدار والقائمين عليها وأسماء الكُتاب العرب الذين تمّ ترجمتهم ، وأفادتني بأنهم مجموعة مثقفين يهود وفلسطينيين بأهداف ثقافية لا تطبيعية أسسوا دار” مكتوب ” للتعريف بالأدب العربي و ترجمة الأعمال العربية الهامة إلى اللغة العبرية ، وأن من بين القائمين عليها الروائي الفلسطيني المناضل سلمان ناطور (رحمه الله) الذي غيبه الموت هذا الأسبوع ، و البروفيسور يهودا شهرباني وهو من أصول عراقية ومؤلف كتاب “اليهود العرب”، وهو معروف كأحد النقاد الراديكاليين المعارضين للحكومة والاحتلال، و الكاتبة والباحثة راوية بربارة جرجورة وكثيرين آخرين . . أما عن المترجمة المهتمة بترجمة روايتي فأخبرتني أنها السيدة ميخال سيلع التي ترجمت عدة أعمال منها “ثرثرة فوق النيل” لنجيب محفوظ، و “رحلة الى قلب العدو” لنجم والي ، ومن الانجليزية – ترجمت سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، و كتاب “مهجر” للمفكر الفلسطيني الكبير ادوارد سعيد ، وغيرها من الترجمات .كتبت أسألها و هل من أعمال جزائرية ؟
أجابتني “لقد ترجمت سيلع أيضاً كتاب “سيدة المقام” لواسيني الأعرج، الذي صدر عام 2007 ، عن دار نشر “كرمل” (دار نشر اسرائيلية ) هذه المعلومات موجودة في مقال نشر في صحيفة هآريتس تجدين هنا الرابط ولو رغبت بامكاني أن أترجم ما كُتب للعربية ” .
عرضت عليّ السيدة ميسلون بعد ذلك ،إمكانية التعاقد من خلال طرف ثالث
إن كان في الأمر إحراجا لي ، وهو ما وافقت عليه . ووصلت بيننا المراسلات إلى هنا بتاريخ فبراير 16الجاري ، فأنا إلى الآن لم أتلقَ منها مشروع عقد ، ولا تحدثنا في تفاصيل الحقوق المادية التي لا أتصورها كبيرة لأن مثل هذه المؤسسات ذات الرسالة النبيلة ، قلّما تجد دعمًا ماديًا وكثيرًا ما تغلق معلنة إفلاسها ، لذا أنوي التنازل عن حقوقي للمساعدة في ترجمة أعمال عربية أخرى . كما أنني إلى الآن ما تواصلت مع المترجمة التي لم أكن قد سمعت بها ، لكني أقدّر لها الجهد الذي وضعته في ترجمة كتب عربية هامة .
وكانت المفاجأة أن استيقظت بعد يوم واحد على حملة شعواء، وأخبارا تتناقلها المواقع تتهمني بالخيانة والعمالة وبكوني تقاضيت ” مبالغ كبيرة ” مقابل التنازل عن حقوق ترجمة ” ذاكرة الجسد ” إلى العبرية ،وبكوني طلبت من واسيني الأعرج أن يتوسط لي للفوز بهذه الصفقة!
واستحوذ البعض على دور البطولة ، وتباروا في الإعلان أنهم لن يخونوا ولن يبيعوا القضية كما فعلتُ ،ولن يقبلوا في ما يخصهم بترجمة أعمالهم للعبرية . وعلى غضبي ضحكت ملء قلبي ، فالسادة الذين ما زالوا يحبون في روضة الأدب يعتقدون أنهم أكثر وطنية وغيرة على فلسطين من محمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وإدوارد سعيد والياس خوري . وأن كتاباتهم إن ترجمت ستهز الضمير الإسرائيلي وستخرج غولدا ماير من طورها كيوم سمعت ” سجل أنا عربي ” لمحمود درويش بالعبرية. السادة الأوصياء على ضمائر الأمة وشرفها ،الذين لا يفهمون أن لا عداء لنا مع اللغة العبرية ولا مع اليهود ، الذين خدم بعضهم القضية الفلسطينية أكثر من بعض أبنائها ، وإنما مع كيان عنصري إرهابي محتل ، لماذا لم نسمع لهم صوتًا وزئيرًا عندما زار الكاتب الجزائري بوعلام صلصال إسرائيل في الذكرى الستين لتأسيسها و استقبل في الكنيست بالأحضان ، وأعلن من منابرها أن ” إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط “، وما زال يدخل الجزائر بطلاً مكرمًا . أم الهدف هو تشويه كل اسم نظيف كي نتساوى في الدناءة ولا يبقى لهذه الآمة من قدوة .
أمام الصدمة كتبت إلى السيدة ميسلون محتجة على انتشار خبر لا علاقة له مطلقاً بالحقيقة . وإذا بها أكثر صدمة مني وكتبت لي تقول ” أعتذر كثيرًا وأتمنى أن لا يغيّر هذا من قرارك . إن نشر مثل هذه الأخبار يضر جدَا بالقائمين على هذا المشروع، وخصوصًا الأدباء والباحثين الفلسطينيين، ذوي المواقف المشرفة مثل الأديب والروائي الفلسطيني سلمان ناطور، أحد مؤسسي هذا المشروع ، فليس من عادتنا التواصل مع الإعلام ”
إنني أتوجه لقرائي موضحة تفاصيل ما حدث ، فليس من عادتي التستر على أي عمل أو قرار أدبي أتخذه ، لأنني في كل ما أفعل أقدم حسابًا للتاريخ ، الذي لابدّ كاشفاً لكل مستور. فالكاتب الحقيقي يعنيه تاريخه لأنه سيعيش طويلاً بعده . وغيره معنيا بمكاسب آنية ستزول برحيله . لذا لا أردّ إلاّ على من له حسابا يقدمه للتاريخ ، لأننا مهما اختلفنا ، لنا القيم نفسها ، وسنقف اليوم ، وفي ما بعد أمام القاضي نفسه …عدا التاريخ ، إنني في كل قراراتي أستحي من أبي في قبره إن أنا خنت ما رباني عليه من قيم انسانية ، ولا أستحي من سواه مهما علا شأنه وتاجر بالشعارات القومية.
ثمّ . . لقد تذكرت قولاً جميلاً لمالك حداد ” على الكاتب أن لا يقدّم حسابًا إلاّ لأبطاله ” وسألت خالد بن طوبال القسنطيني وزياد الفلسطيني أبطال ذاكرة الجسد ،هل يودا نقل معاناتهما تماما كما رويتها إلى اللغة العبرية . . فبكى زياد وقال ” نعم ” .