V for Vendetta
هذا أحد الأفلام المهمة التي يمكن تصنيفها في خانة الأفلام التنويرية والتثويرية، فإلى جانب نجاح مخرجه في خلق توليفة تشويقية تميز السينما الأمريكية، تجمع ما بين الغموض والعنف – الحركة، يحتشد الفيلم بالمقولات الفلسفية والفكرية والمقطوعات الموسيقية العبقرية واللوحات التشكيلية والإحالات المكانية المزدحمة بالكتب ذات التنسيق المكتبي أو المبعثرة في فضاء فوضوي لا محدود.
الثيمة الأساسية التي ميزت فيلم (V for Vendetta – في رمز الثأر) هي اشتغاله على سؤالين أساسيين مترابطين جدليا، السؤال الأول معني بالثورة وكيفية إيقاظها وإيقادها لتصبح فعلا عاما يحرك الجميع باتجاه التغيير وكسر قيود التسلط والجبروت والعمل على تفجير غد أفضل. أما السؤال الثاني فيتعلق بالكشف عن الآليات التي تستخدمها الدولة المتسلطة لخداع المواطنين وتخديرهم وتخويفهم وجرهم إلى زاوية الاستسلام والموات.
قصة الفيلم مشيدة على واقع متخيل لحكومة ديكتاتورية تسيطر على بريطانيا في المستقبل، ولا أود الخوض هنا في كل التفاصيل، لكن أشير إلى أن الرمز (V) يمثله شخص يسعى للانتقام وفضح فساد هذه السلطة مستحضرا في هذه الرحلة الطويلة إعداد ومعاناة سيرة ثائر بريطاني اسمه “جاي فوكس”، حاول التمرد على حكم الملك جيمس الأول، ويستخدم بطل الفيلم قناعا يمثل هذا الثائر. ما يعنيني هنا أن هذا البطل وهو يعمل على تفجير مبنى البرلمان – رمز السلطة والانتقام الفردي من رموز النظام اليميني المتطرف الحاكم يتمكن من تثوير كل مواطن في هذه البلاد وأولهم بطلة الفيلم، الخائفة المترددة، التي تعد التقاءها به نقطة تحول كبرى في حياتها من النقيض إلى النقيض، من الخوف إلى الثورة، ومن اللامبالاة إلى الاهتمام والانفتاح العقلي.
لكن أخطر ما في هذا الفيلم، وما قادني لاستعادته في هذا المقال، تزامنه مع أحداث تجري الآن وتكاد تتطابق في كافة أنحاء المعمورة، الحكومات الديكتاتورية المسيطرة، الحروب المجانية والهمجية بقصد التجريب والاتجار، اللعب الإعلامي المتقن لتزييف الحقائق وتصعيد روح الخوف جماعيا، الصعود المقلق لجماعات اليمين العنصرية ليس في البلدان المتأخرة فقط، بل حتى في الدول المتقدمة التي يفترض أنها تجاوزت أسئلة العرق والدين واللون.
الفيلم في أحد جوانبه تحذير من هذه الحالة (التراجعية) التي تنتاب العالم وتعيد من جديد بناء تحالفات عسكرية وسياسية قوامها التعصب وأوهام النقاء والكهنوتية، شيء ينذر بكارثة أرضية محتملة إن لم تتدارك الإنسانية أبعادها المأسوية قبل استفحالها.
V for Vendetta من إخراج جيمس مكتيغ، وقصة ألن مور، والبطولة هوغو ويفنغ، وناتالي بورتمان.