أحزابنا .. عكس (الهوا)!!
نذكر جميعنا – تقريباً – واحدة من أجمل الأغنيات التي تغنى بها فناننا الكبير الأستاذ “حمد الريح”، وهي أغنية (أحبابنا أهل الهوى) والتي يقول مطلعها:
أحبابنا أهل الهوى
رحلوا وما تركوا خبر
.. بالله يا طير المشارق
هل عرفت لهم أثر؟
الأغنية طويلة وجميلة، وأظنها للشاعر “عبد الواحد عبد الله”، وقد خطرت الأغنية واسمها على بالي عندما أردت أن أتناول ظاهرة الحزبية الحديثة في بلادنا، وأعني بها ظاهرة التشرذم والتشظي التي ضربت هذه الأحزاب، وفرقتها شذر مذر تضرب في كل اتجاه عبر الاتجاه الصحيح.
خطر لي ذلك الخاطر ليتحول عنوان الأغنية (أحبابنا أهل الهوى) إلى (أحزابنا عكس الهوا) والأخيرة – أي عكس الهوا – مصطلح شعبي يقال لمن يتم الاستغناء عنه فجأة دون اعتبار لأية علاقة سابقة أو أي تاريخ في فترة ما، لذلك يقول الناس إن فلاناً (فكوه عكس الهوا)، أي تم إبعاده إبعاداً ينم عن الغضب والقلق والخوف من مواقف محتملة قد تهز ثبات الجبل الحزبي القديم!
أحزابنا التي تآكل بعضها من الداخل بأيدي عضويتها أو بتدخلات أيادٍ خفية، والتي عصفت بها رياح الخلافات بحيث لم ينجُ حزب منها حتى الحزب الحاكم، كان لابد لها من الوقوف عند هذه المحطة وألا تتجاوزها تجاوز القطار السريع الذي لا ينظر بأمر ناظر المحطة، أن يحمل زيداً أو عمرواً في رحلته الطويلة.
نظرية الانسلاخ والانقسام والتشظي طالت حتى حركات التمرد، حتى تجاوز عددها المائة وأصبحت عضوية بعضها لا تتجاوز أصابع اليدين الاثنين، أو على أكثر تقدير لا تتجاوز في عددها أصابع اليدين والقدمين معاً!
وتلك النظرية السودانية الصميمة – أي نظرية الانسلاخ – لها دوافعها ومسبباتها لدى الذين يقودون مسيرة الخروج عن الحزب الكبير، ولها نتائجها السالبة في مسيرة وعضوية الحزب، لأنها تشتت الجهد والقوى وتضعف البنية الحزبية وتؤدي إلى تآكل الهيكل والجسد معاً، وتغير أيضاً من مسلمات نظرية أو تطبيقية في العلوم الحديثة، خاصة في علم الرياضيات الذي نعرف جميعنا أن (واحداً زائد واحد) فيه تساوي (اثنين)، وأن (واحداً ناقص واحد) فيه تساوي (صفراً كبيراً)، نجد أنه في حال تطبيق (نظرية الانسلاخ) أن (واحداً ناقص واحد) أي الحزب ناقص أحد أفراد عضويته، يساوي حزباً جديداً لا يختلف كثيراً عن الحزب القديم، أي (واحد ناقص واحد) يساوي (اثنين).. وإن استمر الحال على ذات المنوال فإنه كلما نقص واحد في جانب الحزب، زاد حزب آخر في الجانب الثاني من المعادلة.
الآن لدينا أكثر من مركز بحثي ومراكز أخرى لدراسة وتحليل الظواهر السياسية المستجدة وأسبابها ونتائجها، ليت هذه المراكز البحثية أو السياسية المتخصصة تبدأ في دراسة هذه الظاهرة وتحليلها لمعرفة أسباب الانقسامات الحقيقية داخل الأحزاب السودانية، وهل هي بسبب التشبث بمقاعد القيادة في الحزب، أم هي بسبب تطلعات مشروعة أو غير مشروعة حتى في تولي أمر القيادة داخل تلك الأحزاب.. أم أن هناك أسباباً أخرى.
السلطة كهدف أساسي تعمل الأحزاب السياسية للوصول إليه، ربما كانت أيضاً محركاً أساسياً للصراع داخل تلك الأحزاب، التي لم تعد تعتمد على (البرنامج) وإنما على (كاريزما) القائد أو الراعي أو الرئيس.
أحزابنا نخشى عليها أن تتفرق شذر مذر، وأن تبدأ في رحلة الاختفاء المُسبب عن مسرح الفعل السياسي المباشر، أو (غير المباشر)، وهذه نقصد بها الوجود الرمزي في المحافل الدولية من منظمات أو دول راعية للأجسام والأحزاب والتنظيمات المعارضة، وهو وجود شكلي لا تأثير له على أرض الواقع.
وأخشى أن يتجاوب كثيرون مع دعوة مولانا الشيخ الأستاذ “عمر حضرة” بأن يصدر قرار جمهوري بحل هذه الأحزاب، ومنح تفويض شعبي بالسلطة لرئيس منتخب طالب الشيخ “عمر حضرة” بأن يكون هو المشير “عمر البشير” نفسه، لكن هذا يعني كما نرى ويرى غيرنا، أنه تحرير شهادة وفاة لمحتضر قبل أن تفارق الروح جسده.
الآن نحن نعيش واقعاً جديداً يتطلب اقتراباً أكثر والتحاماً أكبر بقضايا الناس لمن يريد أن يؤسس لحزب حقيقي، يقوم على ثلاث ركائز هي الفكر والمنهج ثم القيادة المؤثرة .. فالإمكانيات.
مصطفى أبو العزائم – (بعد ومسافة – صحيفة المجهر السياسي)
الأحزاب ماتت وشبعت موت لأن كل حزب بما لديهم فرحون