محمد محمد خير

المتنبي.. عدو السودان الجديد!


أطالع يومياً موقع «سودانيز أون لاين» لسببين؛ أولهما لأنه موقع يحدد الاتجاهات العامة لمسارات الأزمات السودانية الكثيرة من موقع ناقد وشامت في آن معاً، ذلك لأن المتداخلين يعبرون عن مرارات ذات نكهة حارقة ويسقطون الشخصي على الموضوعي، وهذا مطلوب رغم أنه مرفوض، مطلوب لأنه يكمل الصورة ببعديها الذاتي والموضوعي، ومرفوض لأننا لم ننهض بالموضوعية تاريخياً في خلافاتنا السياسية منذ الاستقلال، وقد حان الزمن الذي يجب أن نلتزم فيه بالموضوعية لحل أزماتنا.

السبب الثاني الذي يجبرني على مطالعة هذا الموقع هو النهايات الديمقراطية التي ينتهي على يدها الموضوع المطروح، ذلك لأن عقلاء الموقع غالباً ما يتدخلون بلمسات هادئة ويعيدون الأمر إلى مقره اللائق به، وتلك هي طبيعة الحياة السودانية التي تستهل اليوم بالتشاحن والتجاذب وتنتهي بالاعتذار والمحبة والبكاء. وهذه هي خاصية الحياة السودانية.

قبل أن يبث تليفزيون السودان اللقاء الشهير الذي أجراه خالد الأعيسر مع الأستاذ الراحل الطيب صالح، بدأ كتاب الموقع الذم قبل البث، وبعد اللقاء الذي حرصت على مشاهدته، وقارن المتداخلون محبة الطيب صالح للمتنبي بالعنصرية ووصفوه بالمحب للمال والمعادي للبشرة السوداء على خلفية هجائه لكافور الإخشيدي ونعته بـ «الأسود».

أنا بصراحة لا أفهم حتى هذه اللحظة المعنى السياسي والمدلول الثقافي والأفق الاجتماعي للسودان الجديد وهذا جهل فاضح أضيفه لقلة حيلتي وانسداد آفاقي، ولكن يجب أن يكون الراحل الطيب صالح أحد ضحايا السودان الجديد وأحد أهم من توجه نحوه السهام لأنه يناصر الثقافة العربية، فهذا ما يجعلني أزهو بجهلي لهذا الشعار وأعلن معارضتي له رغم أنني على قناعة بأنه ليس بناءً أيديولوجياً متكاملاً يمكن إسقاطه على الواقع لجني ثمار باهرة، وإنما هو في أحسن الحالات فتنة عرقية تستهدف الأنساق الثقافية السودانية وتكرس الانتساب السلالي في مواجهة حالة سودانية صافية فارقت منطق العشيرة والقبلية وأنتجت حالة خلاسية شاهدها التاريخي العمق الحضاري للثقافة العربية المحمولة على جناح التعايش والتثاقف. ورغم أنني أدين المتنبي على ذلك البيت الشعري في حق كافور، إلا أنني أعتبره من سواقط القول لأن المتنبي حين مدح كافور واستبدله بسيف الدولة لم تكن بشرة كافور بيضاء ولم تتحول سوداء حين هجاه.