أبشر الماحي الصائم

الدولة الممكونة


لصديقنا الشيخ عبدالمنعم الزين إمام وخطيب مسجد مدينة القادسية، خريج كلية الفنون الجميلة، لعبد المنعم قضية ظل يهتف باسمها في كل المجامع بكل الأسى والمواجع، تتلخص هذه القضية في مناهضة ما يسميها ثقافة (الدولة الممكننة).. بحيث يرى الرجل التشكيلي الذي انتهت به الفنون إلى منبر الجمعة، يرى أننا كأمة سودانية نرقد على جنة تتمثل في الأرض البكر التي تجري من تحتها الأنهار، وبإمكاننا، والحال والأرض هذه، ألا نجوع ولا نمرض إذا ما أشهرنا شعار (غذاؤنا دواؤنا)!! ومن ثم غيرنا نمط حياتنا وحولنا ما ننفقه على بناء المستشفيات واستقدام الأدوية الكيماوية، إلى الإنتاج الزراعي الفطري الطبيعي !!
* بحيث يرى أستاذ عبدالمنعم الزين أن بعض الأفندية يجروننا جرا إلى أتون (الدولة العصرية الممكننة).. منتفخة أوداج المنتوجات الزراعية الكيماوية.. متوسعة المستشفيات السرطانية !! فالنبات الطيب يخرج معافى بإذن ربه، والذي خبث يخرج نكدا مميتا.. فيجب والحال هذه ألا نحتفل بكثرة الخبيث !! على أن الغرب الذي نقتفي أثره قد عاد القهقرى هو الآخر إلى الطبيعة، بعد رحلة طويلة مضنية بلغ خلالها قمة صرح المجتمع الصناعي المتخم و.. و.. و..!!
* فبينما يرى الكثيرون، وأنا واحد منهم، إن هذه الدعوة برغم وجاهتها من الناحية النظرية، إلا أنها تبدو في ظل ظروفنا الاقتصادية الراهنة، كما لو أنها (أحلام المدينة الفاضلة) !! بحيث لا سبيل لنا إلا أن نمشي المشوار المضني الذي مشاه الغرب ومن ثم نعود من حيث عاد.. ومشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها.. ليصدق فينا الحديث الشريف، ونحن نكاد ندخل وراءهم جحر الضب الخرب.. فعلى الأقل إن اقتصادنا الآن بحاجة ملحة إلى أن ينتج إنتاجا غذائيا مضاعفا، وليس هذا إلا بالتقنية والكيماويات، ومن ثم لنصدره ونستر بثمنه عورات وسوءات ميزانيتنا المأزومة، فقبل أن يتحول هذا العالم الرأسمالي المجنون إلى (الإنتاج الأخلاقي) وأشك أن يحدث هذا قريبا، يجب أن نغرقه بما أغرق به أسواقنا ولو تحت مسوغ، فهذه بضاعتكم بكل علاتها وأمراضها ردت لكم !!
* ظللت أطرح دائما مقابل رؤية عبدالمنعم، الدولة الممكنة، أطرح رؤية، الدولة الممكونة.. على أن هذا الطرح الأخلاقي المثالي ربما يصلح له عهد الرفاهية، ونحن بالكاد نعيش تحت خط الكفاية.. فنحتاج أولا أن نكتفي ونشبع لنصبح مؤهلين لمجرد التفكير، فالقرآن الكريم نفسه يرفد هذه الوجهة التي خرجنا لخدمتها، ألم يقل المولى عز وجل “فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”.. بمعنى أن العبادة المطمئنة نفسها تأتي بعد استكمال دائرة الأمن العام منه والغذائي !!
* صحيح ليس بمقدور أحد أن يصادر حق صديقنا عبدالمنعم المشروع، في مشروعية (حلم المدينة الفاضلة) والمجتمع المثالي.. فإن لم يدرك ذلك المنال فليس أقل من أن ينقلب بأجر حلم المجتهد.. والله خير حافظا ومعينا.. رصوا صفوفكم وقوموا لنصرة دولتكم الممكونة.