احلام مستغانمي

لأزهار المروج عمر الفراشات (3)


في طريق العودة ، صادفتُ فتاة محجبة تُسرع الخطى في ثياب رياضية . لندرة المارين ولملامحها المحبّبة لقلبي ، شعرت برغبة في السلام عليها. لم يخطئ حدسي كانت الفتاة سورية ، لعلّها مع الهرولة كانت تمارس رياضة النسيان،فلقد احترق بيتهم وجاءت هربا مع أهلها للبنان . تبادلنا بعض الأحاديث ، ثم نصحتها أن تستفيد من نزهتها بالتسبيح أثناء مشيها ، فتجمع إلى الفائدة الجسدية سعادة روحية وسكينة تحتاجها في محنتها. لكن الفتاة فاجأتني وهي تخرج من جيبها عداداً صغيراً وتطلعني على الرقم المسجل عليه قائلة ” منذ ساعة وأنا أمشي ولقد تجاوزت أربعمائة تسبيحة ” ذهلتُ ، فما توقّعت سواي يمشي ويسبح في ذلك الطريق ، ولا كنت أدري أنهم اخترعوا للتسبيح عداداً.
بعد ذلك بأيام ، وقعتُ على قول لأحد الصالحين “اذكروا الله عند كل حجيرة وشجيرة لعلها تأتي يوم القيامة فتشهد لكم “. سعدت به سعادة غامرة ، فما ظننت الأشجار والأزهار والحجارة قد تشفع لنا عند الله . كنت فقط أتمتم في حالة انبهار ” سبحان الله وبحمده سبحان ربي العظيم ” كما أفعل دون تفكير كلّما فقدت لغتي أمام إعجاز الله وبديع مخلوقاته .
حال وصولي إلى البيت سارعت بوضع أزهاري في كوب يصلح أن يكون مزهرية ، وأوسعت لها مكانا على مكتبي . أحب تواضع الأزهار البرّية ، هي تفضل تربتها على أفخم المزهريات . للأزهار الربيعية عمر الفراشات ، لن تعيش أكثر من ساعات بعيدا عن مرجها ، لذا أحتفي بها أكثر من احتفائي بالورود الفاخرة المكابرة . فهي ليس لها غرور الأوركيدي ولا طول عمرها . أما شقائق النعمان فتأبى أن تفارق أرضها ، هي الوحيدة التي ترفض أن تعيش لحظة بعد قطافها . سبحان من وضع سرّه في أصغر مخلوقاته !